وليس لنا طريق في الغالب إلى ما جاء به إلا الأخبار الظنية وهي تستلزم الاختلاف في الحكم الشرعي من حيث أن أنظار العلماء تختلف ومن حيث اختلاف الأخبار والقرائن ، وليس من قاطع - لاختلاف الجرح والتعديل أو قوة العدالة وضعفها هذا في الترجيح لهذا الاختلاف - إلا الأدلة التي تفيد العلم وهي منتفية في الغالب في الفروع ، فإما أن نعمل بمدلول الخبر الذي يفيد الظن لنتأسى به في جميع أفعاله مع معرفة وجه التأسي ، وإما أن نطرح الأدلة لكونها ظنية وفي تركها ترك لما أمرنا به الله من الاقتداء والتأسي به صلى الله عليه وآله وسلم ، المجمع عليه هو الأول ولا قائل بالثاني من المسلمين ، هذا مع كون بعض مدلولات الألفاظ القرآنية ظنية فهل يجب ترك ما دلت عليه الآيات القرآنية وهذا معناه عدم الفائدة من هذه الآيات العظيمة ، ولأن أدلة وجوب التقليد هي أدلة العمل بالحديث والمدلول الظني وإلا لأوجبنا على كل مكلف أن يتعلم حتى يتمكن من الاجتهاد ، ولأن القول بوجوب الاقتداء به صلى الله عليه وآله وسلم مع القول بحرمة العمل بالدليل الظني يؤدي إلى تكليف ما لا طاقة لنا به وهو قبيح والله لا يفعله ، ولأن الفرق الإسلامية مختلفة ولو كان الحق هو حرمة الأخذ بالدليل الظني ما ارتفع الحق عنها وغاب لأن الحق لا يغيب ويرتفع لأجل وجوب قيام الحجة من الله علينا ، هذا مع أن الآيات التي تذم التفرقة والاختلاف إنما تذم الاختلاف في الدين أي أصول الدين الذي هو دين لجميع الأنبياء عليهم السلام في التوحيد والعدل والوعد والوعيد والنبوة والاعتقاد والعمل بما جاء به كل نبي إذا كان الطريق إليه متواترا ضروريا ؛ قال تعالى : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه )) مع قوله تعالى : (( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )) وهذا واضح لمن تأمله .
وجواز الاختلاف في الفروع لا يعني أن كل أحكام المجتهدين في الفروع صائبة ، لأنه لا يمكن أن يدل دليل واحد على مدلولات متناقضة وكلها صائبة ، بل الحق في الأصول والفروع مع واحد من دون تعيين في الفروع ، وفي الفروع يجب على المسلمين اتباعه بل يجب على كل مجتهد أن يعمل بما توصل إليه ، وقولنا بأن الحق في الفروع مع واحد لا يعني القول بالتأثيم والتخطئة لقيام الأدلة على جواز الاختلاف ولأن فيه تكليف لما لا يطاق ، وحسب المجتهد العدل إن اجتهد وسعه .
فإذا عرفت هذا فاعلم أن اختلاف الأئمة الزيدية وعلمائهم المجتهدين في الفروع لا يدل على أنهم ليسوا أهل البيت الذين أمرنا الله بالاقتداء بهم وحثنا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم على التمسك بمنهجهم ، لأن الأدلة على جواز الاختلاف في الفروع هي الأدلة على جواز اختلاف الأئمة فيما بينهم مع أننا لم ندع العصمة للأئمة .
Page 54