النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ فَقِيلَ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتْ الْحُمُرُ فَقَالَ نَعَمْ، وَبِمَا أَفْضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا»، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ ﵁ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَمَا يَنُوبُهَا مِنْ السِّبَاعِ فَقَالَ لَهَا مَا وَلَغَتْ فِي بُطُونِهَا، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَنَا شَرَابٌ، وَطَهُورٌ»، وَلِأَنَّ عَيْنَهَا طَاهِرَةٌ بِدَلِيلِ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَجَوَازِ بَيْعِهَا فَيَكُونُ سُؤْرُهَا طَاهِرًا كَسُؤْرِ الْهِرَّةِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ﵄، وَرَدَا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ أَتَرِدُ السِّبَاعُ مَاءَكُمْ هَذَا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا. فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ إذَا أَخْبَرَ بِوُرُودِ السِّبَاعِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ اسْتِعْمَالُهُ لَمَّا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ عَيْنَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ مُسْتَخْبَثٌ غَيْرُ طَيِّبٍ فَسُؤْرُهَا كَذَلِكَ كَالْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سُؤْرَهَا يَتَحَلَّبُ مِنْ عَيْنِهَا كَلَبَنِهَا، ثُمَّ لَبَنُهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَكَذَلِكَ سُؤْرُهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْهِرَّةِ أَيْضًا لَكِنْ تَرَكْنَا ذَلِكَ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ فِي الْهِرَّةِ «لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، وَالطَّوَّافَاتِ» أَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ، وَهِيَ كَثْرَةُ الْبَلْوَى لِقُرْبِهَا مِنْ النَّاسِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي السِّبَاعِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي الْمَفَاوِزِ لَا تَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ اخْتِيَارًا، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ قَبْلَ تَحْرِيمِ لَحْمِ السِّبَاعِ، أَوْ السُّؤَالُ وَقَعَ عَنْ الْحِيَاضِ الْكِبَارِ، وَبِهِ نَقُولُ إنَّ مِثْلَهَا لَا يَنْجُسُ بِوُرُودِ السِّبَاعِ.
فَأَمَّا سُؤْرُ الْحِمَارِ فَطَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْحِمَارُ يُعْلَفُ الْقَتُّ، وَالتِّبْنُ فَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ، وَعِنْدَنَا مَشْكُوكٌ فِيهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِطَهَارَتِهِ، وَلَا بِنَجَاسَتِهِ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ كَانَ يَقُولُ إنَّهُ رِجْسٌ فَيَتَعَارَضُ قَوْلُهُ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، وَكَذَلِكَ الْأَخْبَارُ تَعَارَضَتْ فِي أَكْلِ لَحْمِهِ فَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ»، وَرُوِيَ أَنَّ أَبْجَرَ بْنَ غَالِبٍ ﵁ قَالَ لَمْ يَبْقَ لِي مِنْ مَالِي إلَّا حُمَيْرَاتٍ فَقَالَ ﵊ «كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ»، وَكَذَلِكَ اعْتِبَارُ سُؤْرِهِ بِعَرَقِهِ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَاعْتِبَارِهِ بِلَبَنِهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْهِرَّةِ مَوْجُودٌ فِي الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِطُ النَّاسَ لَكِنَّهُ دُونَ مَا فِي الْهِرَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَضَايِقَ فَلِوُجُودِ أَصْلِ الْبَلْوَى لَا نَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ، وَلِكَوْنِ الْبَلْوَى فِيهِ مُتَقَاعِدًا لَا نَقُولُ بِطَهَارَتِهِ فَيَبْقَى مَشْكُوكًا فِيهِ، وَأَدِلَّةُ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَارَضَ، وَالْحُكْمُ فِيهَا الْوَقْفُ، وَكَانَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ ﵀
1 / 49