مقدمة
...
مبحث الاجتهاد والخلاف
تأليف: الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فهذه رسالة في مبحث الاجتهاد والخلاف لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - وهي منقولة باختصار من كتاب أعلام الموقعين ١ لابن القيم ﵀ وقد وجدنا بآخرها صفحة وربع الصفحة يبحث في العقيدة وما يتصل بذلك من صفات الله، ولا صلة له بموضوع الرسالة، فآثرنا تركه، ومن أحب الرجوع إليه فليرجع إلى الصورة التي نقلنا منها هذه الرسالة، وهي موجودة بالمكتبة السعودية بالرياض التابعة لرئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد تحت رقم، ٧٧٢ – ٨٦. وقد كتب على الصفحة الأولى منها بخط الناسخ هذه العبارة: "هذه الرسالة تأليف الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي وهي مبحث الاجتهاد والخلاف". كما يوجد على هذه الصفحة بعض الحروف اللاتينية التي قد تدل القارئ الكريم إلى موضع النسخة لمن أراد الاطلاع على النسخة الأصلية.
وقد قمنا عند نقل وتصحيح هذه الرسالة بمقابلة هذه الصورة بكتاب "إعلام الموقعين" لابن القيم.
_________
١ ج ٤ ص ١١٩ نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
1 / 3
هذا ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن الرسالة لها تتمة، يدل ذلك الكلمة المكتوبة في آخر الصفحة التي انتهينا إليها والتي تشير إلى بداية صفحة جديدة لم نجدها.
والله نسأل أن يرزقنا العلم النافع والعمل به، إنه جواد كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد الرحمن بن محمد السدحان
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
1 / 4
مبحث الاجتهاد والخلاف
...
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن القيم في إعلام الموقعين ": إذا قال الصحابي قولا، فإما أن يخالفه صحابي آخر أو لا، فإن خالفه مثله لم يكن قول أحدهما حجة على الآخر، وإن خالفه أعلم منه كالخلفاء الراشدين أو بعضهم، فهل يكون الشق الذي فيه الخلفاء أو بعضهم حجة على الآخرين؟ فيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد، والصحيح أنه أرجح. فإن كان الأربعة في شق فلا شك أنه الصواب، وإن كان أكثرهم في شق فالصواب فيه أغلب، فإن كانوا اثنين واثنين فشق أبي بكر وعمر أقرب إلى الصواب، فإن اختلفا فالصواب مع أبي بكر. وهذه جملة لا يعرف تفصيلها إلا من له خبرة وإطلاع، ويكفي في ذلك معرفة رجحان قول الصديق في الجد والإخوة، وكون الطلاق بفم واحد مرة واحدة، وإن تلفظ فيه بالثلاث، وجواز بيع أمهات الأولاد. ولا يحفظ للصديق خلاف نص واحد أبدا، ولا فتوى ولا حكم مأخذهما ضعيف أبدا.
وإن لم يخالف الصحابي صحابي آخر فإما أن يشتهر قوله في الصحابة أوْ لا; فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة، وقالت طائفة منهم: هو حجة وليس بإجماع، وقال بعض الفقهاء المتأخرين، لا يكون إجماعا ولا حجة. وإن لم يشتهر أو لم يعلم هل اشتهر أم لا، فاختلف الناس هل يكون حجة؟
1 / 5
فالذي عليه جمهور الأمة أنه حجة، هذا قول جمهور الحنفية، صرح به محمد بن الحسن، وهو مذهب مالك وأصحابه، وإسحاق وأبي عبيد ومنصوص أحمد ومنصوص الشافعي في القديم والجديد.
والذين قالوا ليس بحجة قالوا: لأن الصحابي مجتهد يجوز عليه الخطأ، ولأن الأدلة الدالة على بطلان التقليد تعم تقليد الصحابي ومن دونه، ولأن التابعي إذا أدرك عمر الصحابة اعتد بخلافه، فكيف يكون قول الواحد حجة عليه، ولأن الأدلة قد انحصرت في الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب، وقول الصحابي ليس واحدا منها، ولأن امتيازه بكونه أفضل وأعلم لا يوجب وجوب اتباعه على مجتهد آخر من التابعين.
فنقول: الكلام في مقامين:
أحدهما: في الأدلة الدالة على وجوب اتباع الصحابة ﵃
الثاني: في الجواب عن شبه النفاة.
أما الأول فمن وجوه:-
الوجه الأول:
ما احتج به مالك، وهو قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ ١ الآية، فوجه الدلالة أن الله سبحانه أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولا فاتبعهم متبع عليه قبل أن يعرف صحته فهو متبع لهم، ولو كان تقليدا محضا كتقليد بعض
_________
١ سورة التوبة آية: ١٠٠.
1 / 6
المفتين لم يستحق من اتبعهم الرضوان إلا أن يكون عاميا، فأما العلماء فلا يجوز لهم اتباعهم.
فإن قيل: اتباعهم هو أن يقول ما قالوا بالدليل، والدليل قوله: (بِإِحْسَانٍ)، ومن قلدهم لم يتبعهم بإحسان، لأنه لو كان مطلق الاتباع محمودا لم يفرق، وأيضا فيجوز أن يراد به اتباعهم في أصول الدين، وقوله: (بِإِحْسَانٍ) أي بالتزام الفرائض واجتناب المحارم، ويكون المقصود أن السابقين قد وجب لهم الرضوان وإن أساؤوا; لقوله: "وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" ١ وأيضا فالثناء على من اتبعهم كلهم، وذلك اتباعهم فيما أجمعوا عليه، وأيضا فالثناء على من اتبعهم لا يقتضي وجوبه وإنما يدل على جواز تقليدهم، وذلك دليل على جواز تقليد العالم كما هو مذهب طائفة، أو الأعلم كقول أخرى، أما الدليل على وجوب اتباعهم فليس في الآية ما يقتضيه.
فالجواب من وجوه:
أحدها: أن الاتباع لا يستلزم الاجتهاد لوجوه:
أحدها: أن الاتباع المأمور به في القرآن كقوله: ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ ٢ ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ ٣ ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ٤ ونحوه لا يتوقف على الاستدلال على صحة القول مع الاستغناء عن القائل.
_________
١ متفق عليه عن علي ﵁.
٢ سورة آل عمران آية: ٣١.
٣ سورة الأعراف آية: ١٥٨.
٤ سورة النساء آية: ١١٥.
1 / 7
الثاني: أنه لو كان المراد اتباعهم في الاستدلال لم يكن فرق بين السابقين وبين جميع الخلائق، لأن اتباع موجب الدليل يجب أن يتبعه ١ كل أحد.
الثالث: أنه إما أن تجوز مخالفتهم في قولهم بعد الاستدلال أو لا، فإن لم تجز فهو المطلوب، وإن جازت فقد خولفوا في تخصيص الحكم واتبعوا في حسن الاستدلال، فليس جعل من فعل ذلك متبعا لموافقتهم في الاستدلال بأولى من جعله مخالفا لمخالفته في عين الحكم.
الرابع: أن من خالفهم في الحكم الذي أفتوا به لا يكون متبعا لهم أصلا، بدليل أن من خالف مجتهدا لا يصح أن يقال اتبعه، وإن أطلق ذلك فلا بد من تقييده بأن يقال: اتبعه في الاستدلال أو الاجتهاد.
الخامس: أن الاتباع افتعال من التبع، وكون الإنسان تابعا لغيره نوع افتقار إليه ومشي خلفه، وكل واحد من المجتهدين ليس متبعا للآخر.
السادس: أن الآية قصد بها مدح السابقين والثناء عليهم، وبيان استحقاقهم أن يكونوا أئمة متبوعين، وبتقدير ألا يكون قولهم موجبا للموافقة ولا مانعا من المخالفة لا يكون لهم هذا المنصب.
السابع: أن من خالفهم في خصوص الحكم لم يتبعهم في ذلك الحكم ولا فيما استدلوا به عليه، فلا يكون متبعا لهم بمجرد مشاركتهم في صفة عامة وهي مطلق الاستدلال والاجتهاد، لا سيما وتلك لا اختصاص لها به،
_________
١ كذا في الأصل، وفي إعلام الموقعين: أن يتبع فيه.
1 / 8
لأن ما ينفي الاتباع، أخص مما يثبته، وإذا وجد الفارق الأخص والجامع الأعم وكلاهما مؤثر، كان التفريق أولى.
وأما قوله: ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ فليس المراد به أن يجتهد، وافق أو خالف، لأنه إذا خالف لم يتبع فضلا عن أن يكون بإحسان، ولأن مطلق الاجتهاد ليس فيه اتباع لهم، لكن الاتباع لهم اسم يدخل فيه كل من وافقهم في الاعتقاد والقول، فلا بد مع ذلك أن يكون المتبع محسنا بأداء الفرائض واجتناب المحارم، لئلا يقع اغترار بمجرد الموافقة قولا، وأيضا فلا بد أن يحسن المتبع لهم القول فيهم، اشترط الله ذلك لعلمه بأن سيكون أقوام ينالون منهم، وهذا مثل قوله بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ ١ الآية. وأما تخصيص اتباعهم بأصول الدين دون فروعه فلا يصح، لأن الاتباع عام، ولأن من اتبعهم في أصول الدين فقط لو كان متبعا لهم على الإطلاق لكنا متبعين للمؤمنين من أهل الكتابين، ولم يكن فرق بين اتباع السابقين من هذه الأمة وغيرها.
وأيضا فإنه إذا قيل: فلان يتبع فلانا، ولم يقيد ذلك بقرينة لفظية ولا حالية، فإنه يقتضي اتباعه في كل الأمور التي يتأتى فيها الاتباع، لأن من اتبعه في حال وخالفه في أخرى لم يكن وصفه بأنه متبع بأولى من وصفه بأنه مخالف، ولأن الرضوان حكم تعلق باتباعهم فيكون الاتباع سببا له، لأن الحكم المعلق بما هو مشتق يقتضي أن ما منه الاشتقاق سبب، وإذا كان اتباعهم سببا للرضوان اقتضى الحكم في جميع موارده، ولأن الاتباع يؤذن بكون
_________
١ سورة الحشر آية: ١٠.
1 / 9
الإنسان تبعا لغيره وفرعا عليه، وأصول الدين ليست كذلك، ولأن الآية تضمنت الثناء عليهم وجعلهم أئمة لمن بعدهم، فلو لم يتناول إلا اتباعهم في أصول الدين لم يكونوا أئمة في ذلك لأن ذلك معلوم مع قطع النظر عن اتباعهم.
وأما قولهم إن الثناء على من اتبعهم كلهم، فنقول: الآية اقتضت الثناء على كل من اتبع كل واحد منهم، كما أن قوله: ﴿(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ ١ ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ﴾ يقتضي حصول الرضوان لكل واحد من السابقين والذين اتبعوهم في قوله: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي﴾ ٢ وكذلك في قوله: ﴿اتَّبَعُوهُمْ﴾ لأنه حكم علق عليهم في هذه الآية، فقد تناولهم مجتمعين ومنفردين.
وأيضا فإن الأصل في الأحكام المعلقة بأسماء عامة ثبوتها لكل فرد فرد من تلك المسميات كقوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ وقوله: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ٣ وقوله ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ ٤.
وأيضا فإن الأحكام المعلقة على المجموع يؤتى فيها باسم يتناول المجموع دون الأفراد، كقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ ٥ وقوله ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ ٦ وقوله ﴿يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ٧ فإن لفظ (الأمة)
_________
١ سورة التوبة آية: ١٠٠.
٢ سورة التوبة آية: ١٠٠.
٣ سورة الفتح آية: ١٨.
٤ سورة التوبة آية: ١١٩.
٥ سورة البقرة آية: ١٤٣.
٦ سورة آل عمران آية: ١١٠.
٧ سورة النساء آية: ١١٥.
1 / 10
ولفظ (سبيل المؤمنين) لا يمكن توزيعه على أفراد الأمة وأفراد المؤمنين، بخلاف لفظ (السابقين) فإنه يتناول كل فرد من السابقين.
وأيضا فالآية تعم اتباعهم مجتمعين ومنفردين في كل ممكن، فمن اتبع جماعتهم إذا اجتمعوا، واتبع آحادهم فيما وجد عنهم مما لم يخالفه فيه غيره منهم، فقد صدق عليه أنه اتبع السابقين، أما من خالف بعض السابقين فلا يصح أن يقال اتبع السابقين، لوجود مخالفته لبعضهم، لا سيما إذا خالف هذا مرة وهذا مرة. وبهذا يظهر الجواب عن اتباعهم إذا اختلفوا، فإن اتباعهم هناك قول بعض تلك الأقوال باجتهاد واستدلال، إذ هم مجتمعون على تسويغ كل واحد من الأقوال لمن أدى اجتهاده إليه، فقد قصد اتباعهم أيضا.
أما إذا قال قولا ولم يخالفه غيره فلا يعلم أن السابقين سوغوا خلاف ذلك القول. وأيضا فالآية تقتضي اتباعهم مطلقا، فلو فرضنا أن الطالب عثر على نص يخالف قول أحد منهم، فقد علمنا أنه لو ظفر بذلك النص لم يعدل عنه، أما إذا رأينا رأيا، فقد يجوز أن يخالف ذلك الرأي.
وأيضا فلو لم يكن اتباعهم إلا فيما أجمعوا عليه، لم يحصل اتباعهم إلا فيما قد علم أنه من دين الإسلام بالاضطرار، لأن السابقين الأولين خلق عظيم، ولم يعلم أنهم أجمعوا إلا على ذلك، فيكون هذا الوجه هو الذي قبله، وقد تقدم بطلانه، إذ الاتباع في هذا غير مؤثر.
وأيضا فجميع السابقين قد مات منهم أناس في حياة رسول الله ﷺ وحينئذ فلا يحتاج في ذلك إلى اتباعهم للاستغناء عنه بقول رسول الله ﷺ.
1 / 11
ثم لو فرضنا أحدا يتبعهم إذ ذاك لكان من السابقين، فحاصله أن التابعين لا يمكنهم اتباع جميع السابقين، وأيضا فإن معرفة قول جميع السابقين كالمتعذر، وأيضا فإنهم إنما استحقوا منصب الإمامة بكونهم هم السابقين، وهذه صفة موجودة في كل واحد منهم، فوجب أن يكون إماما للمتقين كما استوجب الرضوان والجنة.
وأما قولهم: ليس فيها ما يوجب اتباعهم، فنقول: الآية تقتضي الرضوان عمن اتبعهم بإحسان، وقد قام الدليل على أن القول في الدين بغير علم حرام، فلا يكون اتباعهم قولا بغير علم، بل قولا بعلم، وهو المقصود، وحينئذ فسواء يسمى تقليدا أو اجتهادا.
وأيضا فإن كان تقليد العالم للعالم حراما كما هو قول الشافعية والحنابلة فاتباعهم ليس بتقليد، لأنه مرضي، وإن كان تقليدهم جائزا أو مستثنى من التقليد المحرم، فلم يقل أحد إن تقليد العلماء من موجبات الرضوان، فعلم أن تقليدهم خارج عن هذا، لأن تقليد العالم وإن كان جائزا فتركه إلى قول غيره أو إلى اجتهاد جائز بالاتفاق، والشيء المباح لا يستحق به الرضوان، وأيضا فإن رضوان الله غاية المطالب ولا ينال إلا بأفضل الأعمال، ومعلوم أن التقليد ليس بأفضل الأعمال، بل الاجتهاد أفضل منه، فعلم أن اتباعهم هو أفضل ما يكون في مسألة اختلفوا فيها هم ومن بعدهم، وأن اتباعهم دون من بعدهم هو الموجب لرضوان الله، فلا ريب أن رجحان أحد القولين يوجب اتباعه، وقولهم أرجح بلا شك.
1 / 12
وأيضا فإن الله أثنى على الذين اتبعوهم بإحسان، والتقليد وظيفة العامة، فلو أريد التقليد الذي يجوز خلافه لكان للعامة النصيب الأوفى، وكان حظ علماء الأمة من هذه الآية أبخس الحظوظ.
وأيضا فإذا كان اتباعهم موجب الرضوان لم يكن تركه موجب الرضوان، لأن الجزاء لا يقتضيه وجود الشيء وضده.
وأيضا فإن طلب رضوان الله واجب، لأنه إذا لم يوجب رضوانه فإما سخطه أو عفوه، والعفو بعد انعقاد سبب الخطيئة. وأيضا فإنه إنما أثنى على المتبع بالرضوان، ولم يصرح بالوجوب، لأن إيجاب الاتباع يدخل فيه الاتباع بالأفعال، ويقتضي تحريم مخالفتهم مطلقا، فيقتضي ذم المخطئ، وليس كذلك، أما الأقوال فلا وجه لمخالفتهم فيها بعد أن ثبت أن فيها رضي الله.
وأيضا فإن القول إذا ثبت أن فيه رضى الله لم يكن رضى الله في ضده بخلاف الأفعال، وقد يكون رضى الله في الأفعال المختلفة وفي الترك بحسب قصدين وحالين، أما الاعتقادات والأقوال فليست كذلك، فإذا ثبت أن في قولهم رضى الله لم يكن الحق إلا هو، فوجب اتباعه. فإن قيل: السابقون هم الذين صلوا إلى القبلتين، أو هم أهل بيعة الرضوان ومن قبلهم، فما الدليل على اتباع من أسلم بعد ذلك؟
قيل: إذا ثبت وجوب اتباع أهل بيعة الرضوان فهو أكبر المقصود، على أنه لا قائل بالفرق، وكل الصحابة سابق بالنسبة إلى من بعدهم.
1 / 13
الوجه الثاني: ١
قوله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ ٢ هذا قصه الله سبحانه عن صاحب (يس) على سبيل الرضى بهذه المقالة، والثناء على قائلها، والإقرار له عليها، وكل الصحابة ﵃ لم يسألنا أجرا، وهم مهتدون، بدليل قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ ٣ الآية و"لعل" من الله واجب، وقوله ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً﴾ ٤، وقوله: ﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ ٥، وقوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ ٦، وكل منهم قاتل في سبيل الله، وجاهد إما بيده أو بلسانه، فيكون الله قد هداهم، ومن هداه فهو مهتد، فيجب اتباعه للآية.
الوجه الثالث:
قوله ﷾: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ﴾ ٧ وكل من الصحابة منيب إلى الله، فيجب اتباع سبيله، وأقواله واعتقاداته من أكبر سبيله، والدليل عن أنهم منيبون إلى الله أن الله سبحانه قد هداهم، وقد قال تعالى: ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ ٨.
_________
١ أي من الأوجه الدالة على وجوب اتباع الصحابة ﵃، كما في ص ٦.
٢ سورة يس آية: ٢١.
٣ سورة آل عمران آية: ١٠٣.
٤ سورة محمد آية: ١٧.
٥ سورة محمد آية: ٥.
٦ سورة العنكبوت آية: ٦٩.
٧ سورة لقمان آية: ١٥.
٨ سورة الشورى آية: ١٣.
1 / 14
الوجه الرابع:
قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ ١ فأخبر سبحانه أن من اتبع الرسول يدعو إلى الله على بصيرة، ومن دعا إلى الله على بصيرة وجب اتباعه، لقوله تعالى فيما حكاه عن الجن ورضيه: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ﴾ ٢.
الوجه الخامس:
قوله ﷾: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ ٣ قال ابن عباس في رواية أبي مالك: هم أصحاب محمد ﷺ، والدليل عليه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ ٤ وحقيقة الاصطفاء افتعال من التصفية، فيكون قد صفاهم من الأكدار، والخطأ من الأكدار، فيكونون مصفين منه، ولا ينتقض هذا بما إذا اختلفوا، لأن الحق لم يعدهم، ولا يكون قول بعضهم كدرا، لأن مخالفة الكدر وبيانه يزيل كونه كدرا.
الوجه السادس:
أن الله سبحانه شهد لهم أنهم أوتوا العلم، بقوله تعالى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾ ٥ وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا
_________
١ سورة يوسف آية: ١٠٨.
٢ سورة الأحقاف آية: ٣١.
٣ سورة النمل آية: ٥٩.
٤ سورة فاطر آية: ٣٢.
٥ سورة سبأ آية: ٦.
1 / 15
خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا﴾ ١ وقوله: ﴿رْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ ٢ واللام في العلم ليست للاستغراق، وإنما هي للعهد، أي العلم الذي بعث الله به نبيه ﷺ، وإذا كانوا قد أوتوا هذا العلم، كان اتباعهم واجبا.
الوجه السابع:
قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ ٣ الآية. شهد لهم سبحانه أنهم يأمرون بكل معروف، وينهون عن كل منكر، فلو كانت الحادثة في زمانهم لم يفت فيها إلا من أخطأ منهم، لم يكن أحد منهم قد أمر فيها بمعروف، ولا نهى فيها عن منكر، إذ الصواب معروف، والخطأ منكر من بعض الوجوه، ولولا ذلك لما صح التمسك بهذه الآية على أن الإجماع حجة.
الوجه الثامن:
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ ٤. قال غير واحد من السلف: هم أصحاب محمد ﷺ ولا ريب أنهم أئمة الصادقين، وكل صادق بعدهم فبهم يأتم في صدقه، بل حقيقة صدقه اتباعه لهم، وكونه معهم، ومعلوم أن من خالفهم في شيء وإن وافقهم في غيره لم يكن معهم فيما خالفهم فيه، فتنتفي عنه المعية
_________
١ سورة محمد آية: ١٦.
٢ سورة المجادلة آية: ١١.
٣ سورة آل عمران آية: ١١٠.
٤ سورة التوبة آية: ١١٩.
1 / 16
المطلقة، وإن ثبت له قسط من المعية فيما وافقهم فيه، فلا يصدق عليه أنه معهم بهذا القسط. وهذا كما نفى الله ورسوله الإيمان المطلق عن الزاني والشارب والسارق، وهذا كما أن اسم الفقيه والعالم عند الإطلاق لا يقال لمن معه مسألة أو مسألتان، وإن قيل: معه شيء من العلم. ففرق بين المعية المطلقة ومطلق المعية، ومعلوم أن المأمور به الأول لا الثاني، فإن الله سبحانه لم يرد منا أن نكون معهم في شيء من الأشياء، وأن نحصل من المعية ما يصدق عليه الاسم، وهذا غلط عظيم في فهم مراد الرب من أوامره، فإذا أمرنا بالتقوى والبر والصدق والعفة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحو ذلك، لم يرد منا أن نأتي من ذلك بأقل ما يطلق عليه الاسم.
الوجه التاسع:
قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ ١. ووجه الاستدلال بالآية أنه ﷾ أخبر أنه جعلهم أمة خيارا عدلا، هذا حقيقة الوسط، فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإراداتهم ونياتهم، وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة، والله سبحانه يقبل شهادتهم عليهم فهم شهداؤه، ولهذا نوَّه بهم، ورفع ذكرهم، وأثنى عليهم، لأنه سبحانه لما اتخذهم شهداء أعلم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء، وأمر ملائكته أن تصلي عليهم، وتدعو لهم، وتستغفر لهم. والشاهد المقبول عند الله هو الذي يشهد بعلم وصدق، فيخبر بالحق،
_________
١ سورة البقرة آية: ١٤٣.
1 / 17
مستندا إلى علمه به، كما قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ١. فقد يخبر الإنسان بالحق اتفاقا من غير علمه به، وقد يعلمه ولا يخبر به، فالشاهد المقبول عند الله هو الذي يخبر به عن علم. فلو كان علمهم أن يفتي أحدهم بفتوى وتكون خطأ مخالفة لحكم الله ورسوله، ولا يفتي غيره بالحق، كانت هذه الأمة العدل قد أطبقت على خلاف الحق، بل انقسموا قسمين: قسما أفتى بالباطل، وقسما سكت.
الوجه العاشر:
قوله ﵎: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ ٢ الآية. فأخبر ﷾ أنه اجتباهم، والاجتباء كالاصطفاء، وهو افتعال من جبى الشيء يجبيه إذا ضمه إليه، فهم الذين اجتباهم الله إليه، وجعلهم أهله وخاصته، ولهذا أمرهم سبحانه أن يجاهدوا فيه حق جهاده فيبذلوا له أنفسهم، ويفردوه بالمحبة والعبودية، ويختاروه وحده إلها معبودا محبوبا على كل ما سواه كما اختارهم على من سواهم، ثم أخبر سبحانه أنه يسر عليهم دينه غاية التيسير، ولم يجعل عليهم من حرج ألبئة، لكمال محبته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم، ثم أمرهم بلزوم ملة إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم وهي إفراده سبحانه وحده بالعبودية والتعظيم والحب
_________
١ سورة الزخرف آية: ٨٦.
٢ سورة الحج آية: ٧٨.
1 / 18
والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والتفويض والاستسلام، فيكون تعلق ذلك من قلوبهم به وحده لا بغيره، ثم أخبر سبحانه أنه نوه بهم وأثنى عليهم قبل وجودهم، وسماهم عباده المسلمين قبل أن يظهرهم، ثم نوه بهم، وسماهم كذلك بعد أن أوجدهم اعتناء بهم، ورفعة لشأنهم، وإعلاء لقدرهم، ثم أخبر سبحانه أنه فعل ذلك ليشهد عليهم رسوله، ويشهدوا هم على الناس. فيكون مشهودا لهم بشهادة الرسول ﷺ شاهدين على الأمم بقيام حجة الله عليهم، فكان هذا التنويه وإشادة الذكر بهذين الأمرين الجليلين، ولهاتين الحكمتين العظيمتين. والمقصود: أنهم إذا كانوا بهذه المنزلة عنده سبحانه فمن المحال أن يحرمهم كلهم الصواب في مسألة، فيفتي بعضهم بالخطأ، ولا يفتي غيره بالصواب، ويظفر به من بعدهم، والله المستعان.
الوجه الحادي عشر:
قوله ﵎: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ١. أخبر سبحانه عن المعتصمين به أنهم قد هدوا إلى الحق، والصحابة معتصمون بالله، لقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ ٢ ومعلوم كمال تولي الله سبحانه لهم ونصره إياهم أتم نصر، وهذا يدل على أنهم اعتصموا به أتم اعتصام.
_________
١ سورة آل عمران آية: ١٠١.
٢ سورة الحج آية: ٧٨.
1 / 19
الوجه الثاني عشر:
قوله تعالى عن أصحاب موسى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ﴾ ١. فأخبر سبحانه أنه جعل منهم أئمة يأتم بهم من بعدهم، لصبرهم ويقينهم، إذ بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، فإن الداعي إلى الله لا يتم له أمره إلا بيقينه للحق الذي يدعو إليه، وبصيرته به، وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله باحتمال مشاق الدعوة، وكف النفس عما يوهن عزمه؛ فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره سبحانه، وأصحاب محمد ﷺ أحق وأولى بهذا الوصف من أصحاب موسى، فهم أولى بمنصب هذه الإمامة.
الوجه الثالث عشر.
قوله ﵎: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ ٢. وإمام بمعنى قدوة، وهو يصلح للواحد والجمع، كالأمة والأسوة، وقد قيل: هو جمع آمم كصاحب وصحاب وراجل ورجال وتاجر وتجار، وقيل: مصدر كقتال وضراب، أي ذوى إمام، والصواب الوجه الأول، فكل من كان من المتقين وجب عليه أن يأتم بهم، والتقوى واجبة فالائتمام بهم واجب.
الوجه الرابع عشر.
ما ثبت عن النبي ﷺ في الصحاح أنه قال: "خير القرون القرن الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" ٣ فأخبر
_________
١ سورة السجدة آية: ٢٤.
٢ سورة الفرقان آية: ٧٤.
٣ أحمد (٤/٢٧٦) .
1 / 20
ﷺ أن خير القرون قرنه مطلقا، وذلك يقتضي تقديمهم في كل باب من أبواب الخير، وإلا لكانوا خيرا من بعض الوجوه، فلا يكونون خير القرون مطلقا، ثم هذا يتعدد في مسائل عدة، لأن من يقول ليس بحجة، يجوز عنده أن يكون من بعدهم أصاب في كل مسألة قال فيها الصحابي قولا، ولم يخالفه صحابي آخر، وهذا يأتي في مسائل كثيرة تفوق العد والإحصاء.
الوجه الخامس عشر:
ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى، قال: "صليت المغرب مع رسول الله ﷺ فقلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء، جلسنا، فخرج علينا، قال: ما زلتم هاهنا؟ قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب، ثم جلسنا حتى نصلي معك العشاء، قال: أحسنتم وأصبتم ورفع رأسه إلى السماء، وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون" ١ ووجه الاستدلال بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه، ومعلوم أن هذا يعطي من وجوب الاهتداء بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم ﷺ ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم. وأيضا فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم وحرزا من الشر وأسبابه.
_________
١ مسلم: فضائل الصحابة (٢٥٣١)، وأحمد (٤/٣٩٨) .
1 / 21
الوجه السادس عشر:
ما رواه أبو عبد الله بن بطة من حديث الحسن عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن مثل أصحابي في أمتي كمثل الملح في الطعام، لا يصلح الطعام إلا بالملح ". قال الحسن: فقد ذهب ملحنا فكيف نصلح. وروى ابن بطة أيضا بإسنادين إلى عبد الرزاق، أخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول: قال رسول الله ﷺ: "مثل أصحابي في الناس كمثل الملح في الطعام". ثم يقول الحسن: هيهات! ذهب ملح القوم. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن علي الجعفي عن أبي موسى - يعني إسرائيل- عن الحسن، قال: قال رسول الله ﷺ: "مثل أصحابي كمثل الملح في الطعام". قال: يقول الحسن: هل يطيب الطعام إلا بالملح؟، ويقول الحسن: فكيف بقوم ذهب ملحهم؟. ووجه الاستدلال أنه شبه أصحابه في صلاح دين الأمة بهم بالملح الذي صلاح الطعام به، فلو جاز أن يفتوا بالخطأ، ويظفر بالصواب من بعدهم، لكان من بعدهم ملحا لهم. يوضحه: أن الملح كما أنه صلاح الطعام فالصواب به صلاح الأنام، فلو أخطؤوا لاحتاج ذلك إلى ملح يصلحه.
الوجه السابع عشر:
ما روى البخاري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ
1 / 22