وإذا قلت: كيف يعلم بعلم واحد بسيط سائر المعلومات فيقال: كما نعرف جواب مسألة دفعة من غير تفصيل ثم تشتغل بالتفصيل.
فإذا قلت: كيف يكون علمه بالشيء مبدأ وجود ذلك الشيء.
فيقال: كما يكون توهمك السقوط على الجذع عند المشي عليه مبدأ السقوط.
فإذا قلت: فكيف يعلم الممكنات كلها فيقال: يعلمها بالعلم بأسبابها كما تعلم حرارة الهواء في الصيف بمعرفتك تحقيقا بأسباب الحرارة.
وإذا قلت: كيف يكون ابتهاجه بكماله وبهائه فيقال: كما يكون ابتهاجك إذا كان لك كمال يتميز به عن الخلق واستشعرت ذلك الكمال.
والمقصود أنك لا تقدر علم أن تفهم شيئا من الله إلا بالمقايسة إلى شيء في نفسك نعم تدرك في نفسك أشياء تتفاوت بالكمال والنقص فتعلم من هذا أن ما فهمته في حق الأول أشرف وأعلى مما فهمته في حق نفسك فيكون ذلك إيمانا بالغيب مجملا وإلا فتلك الزيادة التي توهمتها لا تعرف حقيقتها لأن مثل تلك الزيادة لا توجد في حقك.
فإذا كان للأول أمر ليس له نظير فيك فلا سبيل لك إلى فهمه البتة وذلك هو ذاته فإنه وجود بلا ماهية هو منبع كل وجود.
فإذا قلت: كيف يكون وجود بلا ماهية فلا يمكن أن يضرب لك مثال من نفسك فلا يمكنك إذا فهم حقيقة الوجود بلا ماهية وحقيقة ذات الأول وخاصته هي أنه موجود بلا ماهية زائد على الوجود وأن إنيته وماهيته واحدة وهذا لا نظير له فيما سواه فإن ما سواه جوهرا وعرض وهو ليس بجوهر ولا عرض.
وهذا أيضا لا يتحققه الملائكة فإنهم أيضا جواهر وجودها غير ماهيتها وإن ما هو وجود بلا ماهية ليس إلا الله فإذا لا يعرف الله إلا الله.
فإن قلت: فعلمنا بأنه موجود بلا ماهية زائدة وأنه حقيقة الوجود المحض علم بما ذا إذا لم يكن علما به قلنا. هو علم بأنه موجود وهذا أمر عام وقولك: إنه ليس له الماهية بيان
Page 134