Mabahith fi Ulum al-Quran par Subhi al-Salih
مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح
Maison d'édition
دار العلم للملايين
Numéro d'édition
الطبعة الرابعة والعشرون كانون الثاني/ يناير ٢٠٠٠
Genres
جَمِيلًا﴾ ١، ويقول: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ ٢ وينهاه تارة أخرى عن الحزن نهيا صريحا، كما في قوله: ﴿فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ ٣، وقوله: ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ٤. ويعلمه أحيانا أن الكافرين لا يجرحون شخصه في نفسه، ولا يتهمونه بالكذب لذاته، وإنما يعاندون الحق بغيا من عند أنفسهم، لأنهم شرذمة من الجاحدين تتكرر في كل عصر وجيل، كما في قوله: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ ٥. وفي تفسير هذه الآية يقول الحافظ ابن كثير: "يقول تعالى مسليا لنبيه ﷺ في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ أي: قد أحطنا علما بتكذيبهم لك وحزنك وتأسفك علهيم كقوله: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾، ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ وقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ أي: لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر، و﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ أي: ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم"٦.
وتكرار نزول هذه الآيات المسلية، المعزية، المرشدة إلى الصبر الجميل والأسوة الحسنة، هو الحكمة المقصودة من إيراد أنباء الرسل وقص قصصهم.
ولو استمر اضطهاد المشركين لرسول الله ﷺ وانقطع عنه الوحي المثبت لقلبه، فلم يتجدد نزول الآيات المسلية له، لشعر ﵊ بما يشعر به
_________
١ سورة المزمل ١٠.
٢ سورة الأحقاف ٣٥.
٣ سورة يس ٧٥.
٤ سورة يونس ٦٥. وقد ينهى الله رسوله عن الحزن على الكافرين لجحودهم وعدم إيمانهم، فيقول له: ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ كما في سورة الحجر ٨٨ والنحل ١٢٦ والنمل ٧٢.
٥ الأنعام ٣٣.
٦ ابن كثير ٢/ ١٢٩.ونقل هذه العبارة السيد رشيد رضا في تفسير المنار ٧/ ٣٧٢.
1 / 54