Discussions Scientifiques et Sociales

Shibli Shumayyil d. 1335 AH
116

Discussions Scientifiques et Sociales

مباحث علمية واجتماعية

Genres

وعلى ذكر الأطباء أقول إن هذه الطائفة - وقاك الله شرها - كثيرة النفع كثيرة الضرر؛ إذ يتوقف عليها صحة الأبدان وحياة النفوس، فإصابة منهم قد تحيي، وغلطة قد تودي. وهم من هذه الجهة يتشابهون كثيرا مع القضاة. والفرق بينهم، كما قال بعضهم، أن الأطباء يدفنون أغلاطهم في الأرض، والقضاة ينشرونها في الهواء (إشارة إلى دفن الميت وتعليق المشنوق)، وهم لو اقتصروا على ما سنه لهم أبوهم أبو الطب أبقراط، حيث قال: «على الطبيب أن يتوخى منفعة مريضه، فإن لم يستطعها فليتجنب الإضرار به.» لوجدوا لهم من أنفسهم عاذرا، ولما استحقوا كبير ملام؛ لأن الطب كما قال أحد حكمائهم: «يشفي نادرا، ويسكن غالبا، ويعزي دائما.» ولكن الأطباء بشر كسائر الناس، يختلفون نظيرهم في العقول والأخلاق، فهذا يعتمد على البساطة في طبه كما يكون بسيطا في ملبسه ومعيشته، وذلك على ذر الرماد في عيون المرضى، كما يذره في عيون سائر الناس في سائر أحوال معيشته، فلكي يصف لك قدح ماء يستقطر البحر، ويستمطر السحب، ويستسيل الجمد، ومنهم من ينظر إلى مريضه شزرا، ويجلس إلى جانبه ويعيره ظهرا.

10

وربما أراد أن يدل بذلك على خفة الداء، لا على قلة الاعتناء. ومنهم، وكنت أود ألا أذكر ذلك، من يقصد تكثير الربح كأنه شريك الصيدلي (أعوذ بالله من شر الصيادلة، فهؤلاء يلزم لهم فصل مخصوص)، فعوضا عن الدواء البسيط يعدل إلى المركب ، وعوضا عن أن يصف لك بعض قمحات في مقدار من الماء، يمزجها ويقسمها أوراقا أو حبوبا أو برشانات تزيد على المائة عدا ، ويشغلك يومك وليلك في تجرع هذا الدواء على الساعات والدقائق، والله أعلم بالعواقب. والحق يقال إن الذنب ليس كله عليهم، فالناس لا يرضون عن طبيب إلا إذا قلبهم ظهرا وبطنا فيما يلزم وما لا يلزم، وعادهم صباح مساء، وظهر عشاء، وكتب لهم من الدواء ما يخرج به من عند الصيدلي مستغيثا بالحوذي ومركبته. فعن الأول يقولون إنه «معتن» ولو لم يفهم شيئا، وعن الثاني إنه «شاطر» ولا يصفحون عنك. ولو فهمت حالة المريض من مجرد تحديق نظرك فيه، وشفيته بدواء لم تتعد به دائرة المطبخ؛ فإنهم لا يزالون يرمونك بالإهمال والجهل، ولا يريدون أن ينسبوا ذلك إلى نظرك الدقيق.

على أن الأطباء مهما بالغوا في الدهاء، فالمرضى يفوقونهم في ذلك؛ فكثيرا ما لا يكافئونهم بغير تمزيقهم بلسانهم. وأنا أنصح لك كلما سمعت أحدا يذم طبيبا أن تسأله إذا كان دفع له حسابه، فغالبا تجد أنه لم يدفع؛ لأن الذين يدفعون قلما يذمون. وزد على ذلك أن الأطباء أشبه شيء بالضرائر، ليس بينهم عصبية تحمي مصالحهم، فليس لهم رأي عام كما يقولون، ولو كان لهم ذلك لما تجاسر القاضي الذي حكم على «لابورت» المذكور أن يصب عليه ذلك الحكم الجائر. فقد قال بعضهم: «لو اعتصب الأطباء بعد الحكم على لابورت ثلاثة أيام امتنعوا فيها عن تأدية وظائفهم، لرأيت القضاة على أبوابهم يستسمحون.»

وعلى ذكر الرأي العام، أقول إن كثيرين يذهبون إلى أن الرأي العام في الشرق اسم بلا مسمى كالغول والعنقاء، ومع ذلك فنحن نسمعه في الجرائد كثيرا، ونفاه بعضهم عن المصريين بحجة قلة انتشار التعليم بينهم، وفي الأمر نظر.

11

المقالة الخامسة والثلاثون

شواغل

1

انقطعت عنك أيها البصير زمنا طويلا أو قصيرا حسب أميال كل قارئ، ووقع كتاباتي عنده موقع الاستحسان أو الاستهجان لشواغل تهون لدى البعض وتعظم لدى البعض الآخر. والناس يختلفون فيما به يتأثرون، فهنا رجل يخوض بحار الأفكار، ويصادم تيارها الجارف، ويقف سدا في وجه الحوادث كأنه الطود الراسخ. لا تقلقله ريح زعزع، ولا إعصار ينسف الرمال ويقتلع الأشجار، وينتصب مخروطا يصل السماء بالبحار، كأنه التنين الحران، ولكن رأسه في السماء، ورجله في الماء. يصادم كل ذلك بجنان لا يرتاب، وقلب لا يهاب، ولكن يحار ويتعثر لشيء يذكر ولا يذكر، قد لا يعتد به سواه ممن ينوء تحت عبء أقل القليل مما ذكرناه.

Page inconnue