ويشبه الهر من الحيوان دابة الزباد وهذه الدابة في قدر الهر وصورته وذنبه، وأذنيه، لا يغادر شيئًا منه، إلا أنه أطول خطمًا وذنبًا، وأكبر جثة، وله وبر إلى السواد ما هو، وربما كان أنمر، وقد يوجد في جسدها رائحة المسك ويجلب من بلاد السند واليمن، والزباد فيه شبيه بالوسخ الأسود اللزج زعر الرائحة وله زفرة يخالطها طيب كطيب المسك، وتوجد في أرفاغه وما يلي بواطن أفخاذه، وباطن ذنبه حوالي دبره فيحك من هذه المواضع بمعلقة فضة أو بدرهم رقيق الحرف وبعضهم يقول: إن الزباد في هذا الحيوان في ضروع كهيئة العيون، ومثل الأدهان الجامدة ترشح من مسام الجلد، وذكر أنه يفتح عينيه ويعصر منها، ومن عجائب ما يحكى أن بالرانج سنانير لها أجنحة كأجنحة الخفاش من آذانها إلى آذانها
الوصف والتشبيه
من رسالة لبعض الأندلسيين يصفه: هر نبيل، ينتهي من القطاط إلى أشرف قبيل له رأس كجمع الكف، وأذنان قد ماتا على صف ذواتا لطافة ودقة، وسباطة ورقة يقيمهما عند التشوف، ويضجعها عند التخوف، ومقلة كأنها مقتطعة من المجزع، وكأن ناظرها من عيون الباقلاء منتزع، قد استطال الشعر حول أشداقه، وفوق آماقه، كأبر مغروزة على العيون، وقد حددت أطرافها القيون له ناب كحد المطرد، ولسان كظهر المبرد، ونف أخنس وعنق أوقص، وخلق سوي غير منتقص، أهرت الشدقين، موشى الساعدين والساقين ململم اليدين والرجلين يرجل بهما وبره ترجيل ذوي الهمم لما تشعث من اللحى ينفض بضربه الغبار ويميط ما علق به من الأدبار، ثم يجلوه بلسانه جلاء الصقيل للحسام، والحمام للأجسام، فينقى قفاه، ويواري آذاه، ويقعي الأسد إذا جلس، ويثب وثبة الدببة إذا اختلس، له ظهر شديد وذنب مديد تارة يهزه هز السمهري المثقف وتارة يلويه لي الصولج المعقف يعب على الماء حيث يلفه ويدني منه فاه ولا يبلغه من لسانه رشاء ودلوا يعلم بها إن كان ملحًا أو حلوًا، يحمي داره حماية ويحرسها حراسة الرقيب، فإن رأى فيها كلبًا صار عليه البا، وصعر خده وعظم قده حتى يصير أنفه من حماه أن يطرق، وغيره على حجابه أن يخرق، وإن رأى فيه هرًا وجف إليه مكفهرًا ودافعه بالساعد الأسد، ونازعه منازعة الخصم الألد وأبرز برثنه لمبادرته وجوشنه لمصادرته، ثم تسلل إليه لواذا، واستحوذ عليه وشد عليه شدة، وضمه من غير مورد فينسل وبره نسالًا، وأرسل دمه إرسالًا بأنياب عضل أمضى من النصل، ومخلب كمنقار الصقر درب الأقناص، والعقر، قفر قرنه ممزق الأهاب مستبعرًا في الذهاب، قد افلت من بين أظفار وأنياب ورضي من الغنيمة بالإياب هذا وهو بحاله دون جنة وتقاتله بلا سيوف ولا أسنة، وإنما جنته متنه، وشفاره أظفاره، وسنانه أسنانه، إذا سمعت منه الفأرة مغاء لم تستطع له أصغاء، وتصدعت قلوبها من الحذر، وتفرق جمعها شذر مذر تهجع العيون وهو ساهر، وتستتر الشخوص وهو ظاهر، ويرى من عينيه نيرين وضاحين تخالهما في الظلام مصباحين، يسوق الأركان ويطوف بكل مكان ويحكي في ضجعته السرار تمنيًا، وقضيب الخيزران تثنيًا يغط إذا نام ويتمطى إذا قام ويستقبل الرياح بشمه، ويجعل الاستدلال أكبر همه، ويمكن للفأر حيث يجد لها عبثًا أو يعلم لها لبثًا أو يسمع لها صيا، أو يلمح من شياطينها ريبًا، فيلصق بالأرض، وينطوي بعضه في بعض حتى يستوي منه الطول والعرض فإذا تشوفت الفأرة من جحرها، وأشرفت بصدرها ونحرها دب إليها دبيب الصل وامتد إليها امتداد الظل ثم وثب في الحين عليها وساق الحين إليها، فأثخنها جراحًا ولم يعطها براحًا وإن كان جردًا مسنًا لم يضع عليه سنا وإن كان درصا صغيرًا فغر عليه فاه، وقبض مترفقًا على قفاه يزداد منه منتهيًا وبه تلهيًا، ثم يتلاعب به تلاعب الفرسان بالأعنة والأبطال بالأسنة فإذا أوجعه عضًا، وأوعبه رضًا أجهز في الفور عليه وعمد بالأكل إليه فازدرد منه أطيب طعمه واعتقده أهنأ نعمة، ثم أظهر بالالتعاق شكره وأعمل في غير فكره فيرجع إلى حيث أثاره وتبع فيه آثاره راجيًا أن يجد في رباعه ثانيًا من اتباعه فيلحقه بصاحبه في الردى حتى يفني جميع العدى، وربما أنحرف عن هذه العوائد، والتقط فتات الموائد بلا غاية في الاحتماء وبرورًا بالنعماء فماله على خصاله ثمن، ولا جاء بمثاله زمن وقال آخر يصف هرًا:
وخبعشٍ في مشيه متناهش ... خطف المؤخر كامل التصدير
1 / 37