فسبق إيجاد ما له عقل، وليس له شهوة، وهو الملائكة، وما له شهوة ولا عقل له، وهو كل الحيوان خلا الإنسان، وما ليس له شهوة ولا عقل وهو الجماد وبقي من الأقسام الأربعة قسم، وهو الذي له عقل وشهوة فأوجدت القدرة التامة والمشيئة الكاملة، نوع الإنسان وتممت به الأقسام التي كانت في ضمان الإمكان، فإن رجحت شهوته على عقله التحق بالبهائم، وإن رجح عقله على شهوته التحق بالملائكة وقال آخر: جزوى الملائكة روح وعقل، والبهائم نفس هوى، والإنسان بجمع الكل ابتلاء، فإن غلب الروح على النفس والهوى فضلته البهائم.
وذهب بعض الإخباريين في سبب إيجاد الإنسان الأول وهو آدم ﵇ إن الله تعالى خلق السماوات وعمرها بالملائكة، وخلق الأرض وعمرها بالجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فبعث الله تعالى لمحاربتهم جندًا من السماء فاجتاحوهم قتلًا وأسرًا إلا القليل ممن سكن الجزائر، وأعماق البحر فكان فيمن أسر) عزازيل (، وهو إبليس فلما خلت بقاع الأرض من الجن ولم يبق فيها إلا الدواب، شاء الله تعالى أن يخلق من بعدهم فيها من يعبده ويوحده وذلك لا يتأتى إلا ممن له وعقل فبعث الله تعالى إلى الأرض ملكًا يقال له جبريل ﵇ ليأخذ من ترابها ما يخلق منه خلقًا يعمرها به فناشدته الله تعالى في ذلك خوفًا أن يخلق منها ما يعصيه، فتركها، وصعد، فانزل الله تعالى ملكًا يقال له عزرائيل، فسألته في ذلك فقال: لا أعصي أمر ربي فأخذ من سهلها وحزنها وطيبها، وخبيثها، وأحمرها، وأسودها، ثم صعد به فخلق الله من ذلك بشرا عجن طينته بيده، وخمرها أربعين سنة، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، وسماه آدم لأجل أنه خلق من أديم الأرض أي من وجهها، وكان خلقه لمضي أحد عشر ساعة من يوم الجمعة وأهبط إلى الأرض عند انقضاء اليوم فكان لبثه في الجنة إلى حين خروجه منها ساعة واحدة من أيام الآخرة، مقدارها ثلاث وثمانون سنة وثلاثة أشهر من سني الدنيا، ويقول الناس في خرافاتهم: إن آدم ﵇ لما هبط إلى الأرض اجتمعت الطير والهوام، والوحوش، والحشرات، وانطلقت إلى الضب وكان قاضيها حينئذ، فذكرت له حال الإنسان ووصفته بصفته فقال: أراكم تصفون خلقًا ينزل الطير من السماء، ويخرج الحوت من الماء، فمن كان ذا جناح فليطر، ومن كان ذا مخلب فليحتفز، وتزعم اليهود في التوراة: إن الله تعالى فرغ من الخلق يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، وقال هذا يوم راحة ودعة، تعالى الله أن يمسه فيما خلق لغوب ونصب، وهل ذلك إلا حالة من جبل جسمه من لحم وعصب، ولم يكفهم كفرهم حتى وصفوا هيئة الاستراحة بصفة هي عين التجسيم وركبوا في حكايتها الخطر العظيم، والهول الجسيم.
فصل
وخلق الإنسان على أربعة أضرب
إنسان من غير أب ولا أم، وإنسان من أب لا غير، وإنسان من أم لا غير، وإنسان من أب وأم.
الضرب الأول:
1 / 2