250

فقلت [له] : أيها الأمير، خوفك أنساني خوف الله، ووعيدك الذي قدمته أذهل عقلي عما سواه، فقال لي:خفف هذا الحديد كله عنه، وقيده بقيد خفيف في حلقة رطل بالنيسابوري، فإن النيسابوري مائتا درهم، وليكون عموده طويلا، وحلقتاه واسعتين ليخطو فيه، ثم مضى وتركه.

فأقام بنيسابور ثلاثة أشهر يريد بذلك أن يخفي خبره على الناس لما كان يخشى من قيام دهماء الناس فيه، وذلك لكثرة من بايعه بكور خراسان.

وكان عبد الله يخرج من إصطبله بغالا عليها القباب، يوهم الناس أنه قد أخرجه، ثم يردها حتى استتر في نيسابور وحمله في جوف الليل، وخرج به مع إبراهيم بن غسان الذي أسره من نسا، ووافى به الري، وقد أمره عبد الله بن طاهر أن يفعل[به] كما فعل هو، يخرج في كل ثلاثة أيام ومعه بغل عليه قبة، ومعه جيش حتى يجوز الري بفراسخ، ثم يعود إلى أن يمكنه سله في ليلة مظلمة [لا يؤبه له فيها] ففعل ذلك خوفا من أن يغلب عليه لكثرة من [قد] أجابه حتى أخرجه من الري، ولم يعلم به أحد، ثم أتبعه حتى أورده بغداد على المعتصم.

قال [إبراهيم] بن غسان: وما رأيت قط أشد جهادا ولا أعف، ولا أكثر ذكرا لله [منه] مع شدة نفس، واجتماع قلب، ما ظهر منه جزع، ولا انكسار، ولا خضوع في الشدائد التي مرت به، وإنهم ما رأوه قط مازحا إلا مرة واحدة، فإنهم لما انحدروا من عقبة حلوان أراد الركوب، فجاء بعض أصحاب إبراهيم بن غسان، فطأطأ ظهره له حتى ركب المحمل على البغل.

Page 351