202

Ma'a Al-Mushakikin Fi Al-Sunnah

مع المشككين في السنة

Enquêteur

فاروق يحيى محمد الحاج

Genres

والجواب:
أولًا: إن هذا المشكك للأسف لا يعرف الفرق بين: "التدليس" و"المبهم" و"المجهول".
ولا يعرف الفرق بين: "الإبهام في السند" و"الإبهام في المتن".
وهذه إحدى الرزايا التي أصيبت بها الأمة، وأخبرنا عنها النبي ﷺ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) (^١).
وجاء في إخباره ﷺ عن الفتن وأشراط الساعة من حديث أنس بن مالك ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ وَيَكْثُرَ الجَهْلُ) (^٢)، أي: الجهال. وما أكثر الجهل في كلام هذا المشكك! وهذا منه.
ثانيًا: التدليس إذا كان يقصد به المعنى الاصطلاحي عند علماء الحديث فليس معناه ما ذكره، وإن كان يقصد به المعنى اللغوي أو الفقهي وهو: "كتمان عيب السلعة عن المشتري" -أي: أن البخاري كتم عن الناس شيئًا من العلم في الأسانيد أو المتون فلم يظهرها لهم- فليس بصحيح. ولو كان في "صحيح البخاري" شيء من ذلك لبينه العلماء السابقون.
ولكونه لم يسبقه أحد إلى مثل هذا الاتهام فهذا يدل على أنه هو المدلس، لا البخاري الذي أجمعت الأمة على ثقته وإمامته وصحة كتابه.
ثالثًا: المجهول هو: من عرف اسمه لكن لم تعرف عينه أو صفته، بخلاف المبهم، فإنه: الذي لم يصرح باسمه في الحديث.
فإن كان الإبهام في الإسناد فلا يقبل؛ لأنه أشد جهالة من المجهول، وإن كان في المتن فلا يضر، بلا خلاف بين العلماء؛ لأنه لا يترتب على معرفته كبير فائدة، وقد يكون من الأولى عدم معرفته؛ سترًا عليه، كما أمر الشرع.
رابعًا: قوله: "إن البخاري دلس في صحيحه فذكر فيه: عن فلان ولم يسمه" لقد تتبعت أنا المواضع التي أشار إليها عن طريق البحث الإلكتروني والبحث العادي، ولم أجد أنه قال في الإسناد: "عن فلان" إلا في موضع واحد فقط في كتابه، وهو في: كتاب استتابة المرتدين وقتالهم، باب ما جاء في المتأولين، حديث رقم (٦٩٣٩)، فقد قال: «حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن حصين عن فلان قال: (تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ) (^٣)»، الحديث في قصة حاطب بن أبي بلتعة ﵁ وكتابه إلى المشركين يوم الفتح.

(^١) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (١/ ٣٢)، رقم (١٠٠)، وصحيح مسلم، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان (٤/ ٢٠٥٨)، رقم (٢٦٧٣).
(^٢) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب يقل الرجال ويكثر النساء (٧/ ٣٧)، رقم (٥٢٣١).
(^٣) صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب ما جاء في المتأولين (٩/ ١٨)، رقم (٦٩٣٩).
وقد صرح البخاري باسمه في: كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرًا، حديث رقم (٣٩٨٣)، فقد قال: «حدثني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: سمعت حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي» (^١)، وساق الحديث.
فارتفع بذلك ما يخشى من إبهام الراوي.
وأما باقي المواضع فلم يرد في الإسناد فيها أي إبهام، وإنما وقع الإبهام لبعض الأسماء في المتن، ومن ذلك:
١ - قول سعد بن أبي وقاص ﵁ للنبي ﷺ: (مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ) (^٢)؟ أي: لمَ لم تعطه كما أعطيت غيره.
٢ - قوله ﷺ في دعائه: (اللَّهُمَّ العَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا) (^٣).
٣ - قول أبي موسى الأشعري ﵁: (قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي) (^٤)؟
ونحو ذلك.
وهذا الإبهام لا يضر المتن شيئًا، كما يعلم ذلك أهل الصنعة.
خامسًا: قوله عن البخاري: «بينما الحقيقة أنه لم يحقق متنًا ولا سندًا، لكن هناك من أرادوا له شهرة زائفة بلا موضوعية» كذب صريح، وإذا كان البخاري ليس من المحققين في الأسانيد والمتون فلا أعلم محققًا في الدنيا.
ثم أليس هذا القول هو التدليس بعينه؟! وهو خلاف الحق، ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس:٣٢]؟
والله المستعان، وإليه المصير.

(^١) صحيح البخاري (٥/ ٧٧).
(^٢) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل (١/ ١٤)، رقم (٢٧)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع (١/ ١٣٢)، رقم (١٥٠).
(^٣) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨)﴾
[آل عمران:١٢٨] (٥/ ٩٩)، رقم (٤٠٦٩). عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵄.
(^٤) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره (١/ ٣٠)، رقم (٩٢)، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب توقيره ﷺ وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه أو لا يتعلق به تكليف وما لا يقع ونحو ذلك (٤/ ١٨٣٤)، رقم (٢٣٦٠).

1 / 203