Ce qui est clair et manifeste sur les vertus du mois de Cha'ban

Ibn Dihya al-Kalbi d. 633 AH

Ce qui est clair et manifeste sur les vertus du mois de Cha'ban

ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان

Maison d'édition

مكتبة أضواء السلف

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Lieu d'édition

الرياض

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ: حَمْدًا لِلَّهِ الْمُنْفَرِدِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، الْعَزِيزِ الصَّمَدِ الرَّحْمَنِ، الَّذِي جَعَلَ أَهْلَ التَّوْحِيدِ بِتَوْحِيدِهِ مِنْ عَذَابِهِ فِي أَمَانٍ، وَلَمْ يَرْضَ لِعِبَادِهِ الْمُطِيعِينَ الْكُفْرَ، وَرَضِيَ لَهُمُ الإِسْلامَ دِينًا، وَزَيَّنَهُمْ بِحُلَى الإِيمَانِ، وَلَمْ يَجْعَلْ حَظَّهُمْ مِنْهُ الْحُصُولَ عَلَى الْخُسْرَانِ وَالْحِرْمَانِ، وَالصَّلاةُ عَلَى جَوْهَرَةِ الشَّرَفِ الْيَتِيمَةِ الَّذِي تَحَلَّى بِجُودِهَا جَيِّدُ الزَّمَانِ، مُحَمَّدٌ نَبِيُّهُ وَخَلِيلُهُ وَصَفِيُّهُ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ الَّذِي شَرُفَ زَمَانُهُ عَلَى جَمِيعِ الأَزْمَانِ، وَجَعَلَهُ مِنْ عِصْمَتِهِ فِي ذِمَّةٍ وَضَمَانٍ، وَخَصَّهُ بِنَهْرِ الْكَوْثَرِ الَّذِي مِسَاحَتُهُ مِنْ بُصْرَى إِلَى عُمَانَ، الَّذِي جِبَالُهُ الْمِسْكُ، وَحَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ الْمُدَحْرَجِ كَالْجُمَانِ،

1 / 11

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، الَّذِينَ بَلَغُوا رَايَاتِ الْمَلَوَانِ بِإِيمَانٍ، وَالسَّلامُ الطَّيِّبُ عَلَيْهِ، وَالتَّحِيَّةُ الْمُبَارَكَةُ كَصَبَا الْحَذِيَّةِ فِي نُعْمَانٍ، أَوْ كُلَّمَا قَالَ الشُّعَرَاءُ فِي وَصْفِ خَامَاتِ الزَّرْعِ وَشَقَائِقِ النُّعْمَانِ. فَإِنِّي ذَاكِرٌ فِي هَذَا الْجُزْءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا جَاءَ فِي اشْتِقَاقِ شَهْرِ شَعْبَانَ، وَمَا لاحَ مِنْ فَضْلِ صِيَامِهِ وَبَانَ. وَفِيهِ نَزَلَتْ فَرِيضَةُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي النِّصْفِ مِنْهُ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمَحْفُوفِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ وَعُبَّادِ الصُّلْبَانِ وَالأَوْثَانِ، وَجَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي إِعْلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَلا وَانِ.

1 / 12

حَدَّثَنِي الْمُسْنِدُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ سِبْطُ أَبِي عَلِيٍّ الْحُسَيْنِ وَأَنَا حَاضِرٌ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا اللُّغَوِيُّ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمُطَرِّزُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ ثَعْلَبٌ قَالَ: وَكَانَ شَعْبَانُ شَهْرًا تَتَشَعَّبُ فِيهِ الْقَبَائِلُ، أَيْ: تَتَفَرَّقُ لِقَصْدِ الْمُلُوكِ وَالْتِمَاسِ الْعَطِيَّةِ، وَيَقُولُونَ: شَعْبَانَاتٌ وَشَعَابِينُ وَأَمَّا فَضْلُهُ الثَّابِتُ عَنْ سَيِّدِ الْبَرِيَّةِ فَهُوَ مَا: أنا بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فِي مَنْزِلِهِ بِمَدِينَةِ فَاسَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، وَفِيهَا مَاتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ

1 / 13

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَلبُونَ، ثنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ، ثنا أَبُو عِيسَى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا عَمُّ أَبِي أَبُو مَرْوَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبِي الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: عَرَضْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ» . هَذَا حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: أنا مَالِكٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

1 / 14

عَنْهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، وَاللَّفْظُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَلَى لَفْظِ بْنِ يَحْيَى. وَأَبُو النَّضْرِ: اسْمُهُ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، أَحَدُ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ كَاتِبًا لِمَوْلاهُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ، رَأَى مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَابْنَ أَبِي أَوْفَى وَالسَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، وَجَمَاعَةً مِنَ التَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلاثِينَ وَمِائَةٍ قُلْتُ: وَسَمِعْتُ الإِمَامَ فَقِيهَ الْعَارِفِينَ أَبَا الْفُتُوحِ الْعِجْلِيَّ يَقُولُ:

1 / 15

احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: وَأَكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَهُ الرَّجُلُ صَوْمَ شَهْرٍ يُكْمِلُهُ كَمَا يُكْمِلُ رَمَضَانَ، وَكَذَلِكَ يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ. قَالَ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُهُ أَنْ لا يَتَأَسَّى رَجُلٌ جَاهِلٌ فَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَإِنْ فُعِلَ فَحَسَنٌ. قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ تَرُدُّهُ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَوْ حَفِظَ الشَّافِعِيُّ ﵀ ذَلِكَ لَرَجَعَ إِلَيْهِ وَتَرَكَ كَلامَهُ؛ لِمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْفَقِيهُ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى الْبُوَيْطِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: " لَقَدْ أَلَّفْتُ هَذِهِ الْكُتُبَ وَلَمْ آلُ فِيهَا، وَلا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا الْخَطَأُ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عندِ غَيْرِ اللَّهِ

1 / 16

لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢]، فَمَا وَجَدْتُمْ فِي كُتُبِي هَذِهِ مِمَّا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةِ فَقَدْ رَجَعْتُ عَنْهُ ". كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَيَّ الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، بِحَقِّ سَمَاعِهِ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمَوَازِينِيِّ، فِي جُزْءٍ فِيهِ فَضَائِلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، مِنْ تَأْلِيفِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شَاكِرٍ الْقَطَّانِ، يَرْوِيهِ الْمَوَازِينِيُّ بِدِمَشْقَ فِي النِّصْفِ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مِائَةٍ عَنِ الْقُضَاعِيِّ عَنْهُ.

1 / 17

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَأْمُرْنَا اللَّهُ بِاتِّبَاعِ أَحَدٍ إِلا اتِّبَاعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَفِيهِ الأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ الَّتِي جَزَاؤُهَا الْجَنَّةُ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الصِّيَامِ فِي بَابِ صَوْمِ شَعْبَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ، ثنا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: "

1 / 18

لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا ﷺ صَلاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا ". هَذَا حَدِيثٌ لا مَطْعَنَ فِيهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي لَبِيدٍ مَوْلَى الأَخْنَسِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَدِمَ الْكُوفَةَ، وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ الْمَدِينَةِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ.

1 / 19

وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِ بَأْسًا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: صَدُوقُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: " قَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ: لَمْ يَشْهَدْ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ جِنَازَتَهُ ". وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لأَنَّهُ كَانَ يُرْمَى بِالْقَدَرِ، وَتَفَرَّدَ بِالإِخْرَاجِ عَنْهُ مُسْلِمٌ لِثِقَتِهِ عِنْدَهُ. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَتْ: " كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولُ: قَدْ

1 / 20

أَفْطَرَ، وَلَمْ نَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا ". هَكَذَا أُورِدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ. وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: هُوَ جَائِزٌ فِي كَلامِ الْعَرَبِ إِذَا صَامَ أَكْثَرَ شَهْرٍ أَنْ يُقَالَ: صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَيُقَالُ: قَامَ فُلانٌ لَيْلَهُ أَجْمَعَ، وَلَعَلَّهُ تَعَشَّى وَاشْتَغَلَ بِبَعْضِ أَمْرِهِ، كَأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَدْ رَأَى كِلا الْحَدِيثَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ يَقُولُ: إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَ الشَّهْرِ.

1 / 21

وَقَدْ أَمَرَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَوِ السَّائِلَ الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يَصُومَ مِنْ سُرَّةِ شَعْبَانَ، أَعْنِي: وَسَطَهُ عَلَى اخْتِلافِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ أَوْ لآخَرٍ: " أَصُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ» - شُعْبَةُ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ - قَالَ: وَأَظُنُّهُ قَالَ: يَوْمَيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَرَارِ الشَّهْرِ: آخِرُهُ حَيْثُ يَسْتَتِرُ الْهِلالُ، وَسَرَرُهُ أَيْضًا.

1 / 22

وَقَدْ أَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَقَالُوا: لَمْ يَأْتِ فِي صَوْمِ آخِرِ الشَّهْرِ حَضٌّ، وَسَرَارُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ وَأَفْضَلُهُ، فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ الأَيَّامَ الْغُرَّ مِنْ وَسَطِ الشَّهْرِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: سَرَارُ الشَّهْر وَسِرَارُهُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ. وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: سَرَرُ الشَّهْرِ وَسِرَارُهُ وسَرَارُهُ ثَلاثُ لُغَاتٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَرُّهُ: أَوَّلُهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي مُصَنَّفِ أَبِي دَاوُدَ، وَأَثْبَتَهُ بَعْضُهُمْ

1 / 23

وَلَمْ يَعْرِفْهُ الأَزْهَرِيُّ، وَكَذَلِكَ أَنْكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا، وَذَكَرَ قَوْلَ الأَوْزَاعِيِّ: سرُّهُ: آخِرُهُ، وَقَالَ: سُمِّيَ آخِرُهُ سِرًّا، لاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ. قُلْتُ: وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ، ثنا مَهْدِيٌّ وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ، ثنا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: أَوْ

1 / 24

قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَسْمَعُ: " يَا فُلانُ، أَصُمْتَ سُرَّةَ هَذَا الشَّهْرِ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ ". هَكَذَا قَيَّدْنَاهُ فِيهِ: «مِنْ سُرَّةِ هَذَا الشَّهْرِ» بِضَمِّ السِّينِ يَقْضِي عَلَى الْجَمِيعِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ وَسَطَهُ. فَحَضَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى صِيَامِ هَذَا الشَّهْرِ، وَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَصُمْ مِنْهُ أَنْ يَصُومَ بَعْدَ فِطْرِ رَمَضَانَ يَوْمَيْنِ، وَذَلِكَ لِبَرَكَةِ شَعْبَانَ.

1 / 25

وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّوَافِلَ إِذَا فَاتَتْ فَإِنَّهَا تُقْضَى وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ: «لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» يَعْنِي: لِمَنْ لَمْ تَجْرِ لَهُ عَادَةٌ بِصِيَامِ شَعْبَانَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» . وَالْحَدِيثُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ إِلا أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا عِيسَى التِّرْمِذِيَّ ذَكَرَ فِي جَامِعِهِ الْمُسْنَدِ الْكَبِيرِ، فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الصَّوْمِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ شَعْبَانَ لِحَالِ رَمَضَانَ: ثنا قُتَيْبَةُ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ

1 / 26

عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلا تَصُومُوا» . قَالَ أَبُو عِيسَى: " حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُفْطِرًا، فَإِذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ شَعْبَانَ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ بِحَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ " وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ: «فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» . وَالْمَلَلُ مِنْ صِفَاتِ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ مِمَّا يَدُلُّ بِهِ الإِنْسَانُ، وَهُوَ: تَرْكُ الشَّيْءِ اسْتِثْقَالا وَكَرَاهِيَةً لَهُ بَعْدَ حِرْصٍ عَلَيْهِ وَمَحَبَّةٍ.

1 / 27

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: إِنَّ «حَتَّى» هَاهُنَا عَلى بَابِهَا مِنَ الْغَايَةَ، أَيْ: لا يَمَلُّ لِثَوَابِهِمْ مَلَلا مُقَابَلَةً لِمَلَلِهِمْ، خَرَجَ الْكَلامُ مَخْرَجَ قَوْلِهِمْ: «حَتَّى يَشِيبَ الْغُرَابُ وَيَبْيَضُّ الْقَارُّ» وَهُوَ الزِّفْتُ، وَلا يَشِيبُ الْغُرَابُ أَبَدًا، وَلا يَبْيَضُّ الْقَارُّ، فَذَلِكَ عَلَى نَفْيِ الْقُصَّةِ لا عَلَى وُجُودِهَا، أَيْ: إِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ وَلا يَلِيقُ بِهِ الْمَلَلُ إِنْ مَلِلْتُمْ أَنْتُمْ، وَهُوَ مِنَ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْكَلامَيْنِ، أَيْ: لا يَتْرُكُ ثَوَابَكُمْ حَتَّى تَمَلُّوا وَتَتْرُكُوا بِمَلَلِكُمْ عِبَادَتَهُ؛ فَسَمَّى تَرْكَهُ لِثَوَابِهِمْ مَلَلا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: تَعَالَى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤]؛

1 / 28

فَالأَوَّلُ: ظُلْمٌ إِذْ الاعْتِدَاءُ: تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي الظُّلْمِ، يُقَالُ: اعْتَدَى اعْتِدَاءً، وَهُوَ مُعْتَدٍ، وَعَدَا يَعْدُو عُدْوَانَا، وَالثَّانِي: قِصَاصٌ لَيْسَ بِاعْتِدَاءٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]، وَالثَّانِيَةُ لَيْسَتْ سَيِّئَةٌ وَلَكِنَّهَا حِكْمَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الْجَزَاءُ بِالْجَزَاءِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَلا لا يَجْهَلَنَّ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا وَقِيلَ: أَرَادَ لا يَمْلَلُ إِذَا مَلِلْتُمْ، يَقَالُ: هَذَا الْفَرَسُ لا يَفْتُرُ حَتَّى تَفْتُرَ الْخَيْلُ، مَعْنَاهُ: لا يَفْتُرُ إِذَا فَتَرَتْ. قَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا، وَقِيلَ: هِيَ لابْنِ أُخْتِهِ، وَقِيلَ: صَنَعَهَا خَلَفٌ الأَحْمَرُ اللُّغَوِيُّ، وَقِيلَ: هِيَ لِلْشَنْفَرَى:

1 / 29

صَلَيَتْ مِنِّي هُذَيْلُ بِخِرْقٍ ... لا يَمَلُّ الشَّرَّ حَتَّى تَمَلُّوا مَعْنَاهُ: أَنْتُمْ تَمَلُّونَ الشَّرَّ، وَهُوَ لا يَمَلُّهُ، وَلَوْ أَرَادَ: يَمَلُّ إِذَا مَلُّوا مَا كَانَ فِيهِ مَدْحٌ. وَالْخِرْقُ بِالْكَسْرِ: السَّخِيُّ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَرَّقُ فِي الْعَطَاءِ. فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ ﷺ: «فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» أَيْ: لا يَمَلُّ اللَّهُ أَصْلا وَأَنْتُمْ تَمَلُّونَ. وَقَدْ رَوَى النَّاسُ الأَغْفَالُ فِي صَلاةِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، وَوَاحِدًا مَقْطُوعًا؛ فَكَلَّفُوا عِبَادَ اللَّهِ بِالأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ مِنْ صَلاةِ مِائَةِ رَكْعَةٍ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْحَمْدُ مَرَّةً، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَيَنْصَرِفُونَ وَقَدْ غَلَبَهُمُ النَّوْمُ، فَتَفُوتُهُمْ صَلاةُ الصُّبْحِ الَّتِي ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ

1 / 30