Ce que voient les yeux
ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
Genres
ووقف القطار في قليوب، فقرأت الجميع السلام وغادرتهم، وسرت في طريقي إلى الضيعة وأنا أكاد لا أسمع دوي القطار وصفيره، وهو يعدو بين المروج الخضراء؛ لكثرة ما يصيح في أذني من صدى الحديث.
7 يونيو سنة 1917
عطفة «ال ...» منزل رقم 22
دخلت غرفة عملي بوزارة «ال ...» وجلست أمام مكتبي، وأمسكت بجريدة وادي النيل أقرأ شيئا عن السياسة وعن الأخبار، وما لبثت في مكاني دقيقتين إلا وحانت مني التفاتة للباب فرأيت زميلي أمين علي يبتدرني السلام بقوله: صباح الخير يا أبو علي.
فألقيت الجريدة على المكتب ورددت السلام بأحسن منه، ثم تثاءب زميلي فتثاءبت وقلت: جازاك الله يا أمين بالموت على ما بدر منك أمس؛ لقد سقتني إلى بؤرة كدت أن أموت فيها. - أينا المخطئ؟ - الله أعلم. - دعنا من العتاب. تلك ليلة لا يسمح الزمان بمثلها إلا في السنة مرة، ولولا تهافتك على الخمر وإكثارك من معاقرتها؛ لما سألت الله أن يجازيني بالموت على هذا الجميل الذي أسديته إليك. - ولكني ما زالت أشكو ألما في الرأس، وتثاقلا في الجسد، ويا حبذا لو كان اليوم يوم الجمعة! - وماذا كنت تفعل؟ - كنت أتناول مسهلا، وألزم سريري طول يومي. - تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
ثم جلس أمين أمامي، وأسند رأسه بيديه، ونام أو استسلم للنوم، فنظرت إليه، وظهرت لي على وجهه صورة شنيعة؛ صورة المدمن الذي لا يفارق الحانات والمواخير وبيوت الفسق والدعارة إلا عند الفجر، فقلت في نفسي إن هذه الصورة المرتسمة على وجهه ما زالت مرتسمة على وجهي أيضا؛ إنه يحب الخمر وأنا لا أبغضها، هو زير نساء وأنا أبحث عن المرأة في كل مكان؛ فلا فرق بيني وبينه إلا أنه متزوج وأنا أعزب، ولكن الفرق ليس بالكبير؛ لأنه لا يرى امرأته إلا ست ساعات في كل يوم يقضيها وهو مستلق على ظهره بجوارها يغط في نومه، فامرأته في نظره كالوسادة في نظري. فنحن إذن في مستوى واحد.
وظفت في وزارة «ال ...» منذ ستة أشهر، عرفت أمين في اليوم الأول من الشهر الأول منها، وائتنست بعشرته، وربطتني به رابطة الاتفاق في المشرب لا رابطة الود والوفاء، ولكني استشعرت بعد أن قضيت معه شهرين على صفاء ووئام برابطة الصداقة تربطني به وتربطه بي، وما لبثنا أن أصبحنا صديقين لا نفترق إلا بعد منتصف الليل. كنت أشتغل معه في الوزارة، وكنت أقضي معه عصر كل يوم في سبلنددبار، وإذا دنا وقت العشاء أكلنا سويا في مطعم أوبليسك أو مطعم أركل وكاسات الجعة تحف بخواننا، ثم نقضي الليل في دار من دور التمثيل أو في بيت من البيوت المفتوحة أبوابها للناس أجمعين، ثم نرجع كل لمنزله، فكنت أسير معه إلى باب بيته في عطفة «ال ...» رقم 22، وأسير في طريقي لمنزلي وأنا لا ألوي على أحد.
كان هذا شأني معه، وكنت مسرورا من عشرته مغتبطا بوفائه ومحبته، وظننت أني سأبقى مستودع أسراره إلى الأبد، ولم يحدث بيننا - والحمد لله - في الستة الأشهر التي مضت ما يدعو للهجر أو القطيعة.
ثم أفاق أمين من نومه، وأعطاني سيكارة، أشعلتها بعد أن أشعل أختها لنفسه، ومكثنا هنيهة نفكر، ثم التفت إلي وقال: آه من النساء! - إنك ترتئي فيهن رأيا تخالف فيه سواد الناس. - أنا لا أحب إلا من يرتدين الإزار البلدي.
1 - وأنا لا أكره إلا هؤلاء. - يا للعجب! أتكره هذا الصنف من النساء، وبينهن من يستهوين الأفئدة، ويمتلكن النفوس؟! - إني لا أرى في ذات الإزار البلدي إلا امرأة قذرة مبتذلة، يأنف منها كل ذي ذوق سليم. - أشكرك.
Page inconnue