Ce que voient les yeux
ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
Genres
اشترى حسن نسخة أخرى من الفاروق، ودخل بها الملعب، وأراها لكل من توسم فيه الصداقة والإخلاص، فطاف بها الملعب خمس مرات متواليات، استوقفه فيها إخوانه كثيرا، وأخيرا وقف بجوار الكشك يقرأ مقالته على فئة من إخوانه. •••
افترق عبد العزيز من حسن عند باب الملعب؛ لأنه لم يشأ أن يطوف معه الملعب، ووقف في ركن من الأركان يقرأ المقالة وهو يعض على شفتيه من الغيظ والكمد، وبعد أن أتمها سمع صوت إبراهيم يسري يطن في آذانه ... - أي مقال تقرأ يا عبد العزيز؟ - أقرأ مقال من مزقت مقالته، ورميت بها على الأرض! - أيجرأ حسن على الكتابة في الفاروق؟ - خذ واقرأ .
أخذ إبراهيم الجريدة وقرأ المقالة إلى النهاية، وضحك ضحكة غير طبيعية، ثم رد الجريدة لعبد العزيز وقال له: لقد كان هزأة القوم وأضحوكتهم، فأصبح واسمه يكتب على صفحات الجرائد الكبيرة. - هذا ما يدهشني يا أخي.
ومر أمامهما حسن في هذه الساعة، فالتفت لإبراهيم وقال له: «سلام من رعمسيس الثاني إلى إبراهيم يسري سيد الكتاب في مصر.»
ومشى في طريقه دون أن يزيد حرفا، أو يسمع من إبراهيم كلمة، فالتفت إبراهيم لعبد العزيز وقال له: ما الذي يقصده من قوله؟
فلم يجب عبد العزيز، ولكن نظرته كانت توحي لإبراهيم ما معناه «كما يدين الفتى يدان». •••
انتهى لعب الكرة، فخرج حسن مع من خرجوا وهو يميد سرورا وفرحا، وقد أنسته مقالته العالم أجمع؛ نسي أمه الحنون، وحبيبته الوفية، وبيته وكلبه، وكل من يعرف من الأصحاب، ولم يفكر إلا في مقالته التي نشرها الفاروق، والفاروق شيخ الجرائد في مصر. لقد نال حسن ما كانت تصبو إليه نفسه، ولقد أثبتت له مقالته الجديدة أن البلاغة أنزلت على فؤاده، وأن الألفاظ السلسة سخرت لقلمه، وأنه غدا بين الكتاب سيدهم وأميرهم، بعد أن يئس من الفوز في مضمارهم. وقف حسن في وسط الطريق ينظر للسماء رافعا يديه يشكر الله على هذه النعمة، ويسأله أن يديمها عليه، ثم سار في طريقه ينتحي جهة منزله، فلما وصل صعد السلم وهو يجري إلى أن لاقى أمه في ردهة البيت، فألقى بنفسه في أحضانها يسكب دموع الفرح والهناء، وقال لها وقد تهدج صوته: لقد نشرت مقالتي يا أماه. إني سعيد الحظ. - أنشرت الحقائق مقالتك؟ - لقد نشرها الفاروق. - وهل أرسلت له مقالة جديدة؟ - كتبتها ليلة أول أمس، وأرسلتها له صباح أمس فنشرها اليوم.
فقبلته أمه وهي محزونة الصدر، فساءه ذلك؛ لأنه لم يعهد منها إلا الفرح لفرحه والحزن لحزنه، فنظر إليها نظرة العاتب كأنه يسألها الإفصاح عن حزنها وكمدها، وحانت منه في هذه اللحظة التفاتة إلى نوافذ بيت خاله، فوجدها مقفلة، فالتفت لأمه وقال: وهل سافروا صباح اليوم؟ - كان في عزمهم السفر غدا - كما تعلم - ولكنهم سافروا فجأة صباح اليوم.
لم يجب حسن على كلام أمه، ودخل غرفته ليقف هنيهة أمام النافذة يندب الهوى ويبكي الفراق. لقد انقضت أحلامه اللذيذة. تحطم سراج حبه الوهاج، وغدا يسكن بيت حبيبته قوم لا صلة بينه وبينهم. لقد كتب له القضاء البؤس حتى في يوم سعده؛ ففارقته حبيبته يوم نشرت مقالته، فلم يتيسر لها أن تشاركه هذا الفرح العظيم.
وللقضاء أحكام تحار فيها العقول.
Page inconnue