Postmodernisme : Une très brève introduction
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
ومن هنا، ظهر مفهوم العمل الفني بوصفه نقدا للمؤسسة وبدأ استخدامه في هذا السياق، رغم أن ذلك سرعان ما اكتسب الطابع المبتذل نسبيا لمحاولة إقناع من اقتنعوا بالفعل. من بين تلك «المساعي النقدية» قدم مايكل أشير ما يعد أكثرها افتقارا للخيال؛ ففي عام 1973 استخدم جهازا يطلق دفقات من الرمال لهدم حائط في معرض توزيلي الفني في ميلان، وهكذا تمكن من هدم «العمل الفني» و«المعرض» كل منهما فوق الآخر؛ «كي يكشف في الحال تواطؤهما والسلطة الجبارة وغير المعترف بها عادة، التي يكتسبها المعرض عبر إخفاء كونه مؤسسة ثقافية تتمتع بالهيمنة (وتفرضها)»، وهو ما تحقق ببساطة - حسب المفترض - لأنه حالما نسف حائط المعرض الفني كشف عن المكاتب الإدارية القابعة خلفه.
قد تتسم بعض أعمال هانز هاكه المهتمة بالتحالف بين المعرض والمتحف بقدر أكبر من الذكاء؛ فقد تخصص هانز - ضمن عدة تخصصات - في توثيق القيمة الاقتصادية للأعمال الفنية. يتكون أحد أعماله الفنية (1975) من نسخة لوحة «عارضات» للفنان سورا بجوار أربعة عشر لوحة مرتبة ترتيبا زمنيا، تتضمن كل منها صورة صغيرة مطبوعة لكل مالك من ملاك اللوحة المتعاقبين وسيرة ذاتية قصيرة.
ومن ثم، أصبح متوقعا أن يوجه المشاهدون أنظارهم - أو بالأحرى عقولهم - إلى ما وراء حوائط المعرض، إلى الظروف الاجتماعية المحيطة بالعمل الفني، مثلما ينصح طلاب الأدب بالنظر فيما وراء الممارسات الجمالية الضيقة للنقد العملي أو «الجديد»، ومراعاة السياق الاجتماعي للعمل الأدبي. يعرض الاقتباس التالي وجهة النظر التقليدية والكلاسيكية هذه:
في ظل مناخ متطرف، لا غرابة في أن تؤدي التناقضات الرئيسية، التي شكلت المحيط الاجتماعي في عصر الرأسمالية المتأخرة، إلى تحفيز إنتاج الفن النقدي.
بول وود وآخرون، «الحداثة على مائدة النقاش»، (1993)
بالطبع، فإن تلك «التناقضات الرئيسية» ليست مجرد تناقضات منطقية - جاهزة للتفكيك - فحسب، بل هي أيضا تناقضات ماركسية تشير إلى الصراعات الخفية والمكبوتة داخل المجتمع؛ ومن ثم، شجع من حضروا عروض «التصوير الفوتوغرافي الجديد» على طرح أسئلة مثل:
لماذا تعتبر هذه الصورة أو تلك ذات مغزى؟ وكيف استطاعت التعبير عن هذا المغزى؟ لماذا يتطلب مجتمع ما صورا معينة في أوقات معينة؟ لماذا تظهر الأنواع الفنية في مجال التصوير الفوتوغرافي؟ لماذا تعتبر صور معينة ذات قيمة جمالية، وكيف يحدث هذا؟ لماذا يقدم المصورون - على نحو يتجاوز براعتهم التقنية أو بصيرتهم الإبداعية - صورا تحمل رسالة عن العالم الاجتماعي؟ ما المعاني السياسية المرتبطة بالتصوير الفوتوغرافي؟ من يتحكم في آلية التصوير الفوتوغرافي في المجتمع المعاصر؟
ليندا هتشن، «سياسات ما بعد الحداثة»، (1989)
طرحت هذه الأسئلة المهمة ذاتها على جميع أنواع الفنون؛ على الرواية والشعر والمقطوعات الموسيقية. فقد أبدى النقاد عداءهم لظاهرة افتقار فن الماضي إلى البصيرة (بصيرتهم) السياسية، وهو ما شجع المبدعين في مجال الإعلام على إنتاج كم كبير من الفن القلق نسبيا «الصائب من المنظور السياسي»، الذي انحاز إما علنا وإما عبر تضمينات نظرية إلى القضايا السياسية التي يتجلى نبلها للجميع. ولم يقتصروا على مهاجمة فكرة الفن باعتباره أحد المقتنيات الممتعة والباهظة الثمن لدى «البرجوازيين» الأثرياء (على سبيل المثال، من خلال تقديم أعمال بسيطة ورخيصة وقبيحة «تتحدى السوق»، وتنتمي للأسلوب التصوري)، بل قدموا كذلك فنا يتوافق مع المبدأ الأخلاقي الموضح بالأعلى ويدعم النسوية، أو المجموعات الهامشية، أو الهويات المعلنة والقائمة على النوع والميول الجنسية والأصول العرقية.
إن الكثير من الأعمال الفنية السياسية في حقبة الحداثة - وبالتأكيد تلك التي أنتجتها الأنظمة الشمولية - كانت أعمالا واقعية إلى حد الملل، وخاضعة خضوعا بالغ الوضوح لأيديولوجيات كلية. لكن الفن السياسي في عصر ما بعد الحداثة - بوصفه مكرسا فعليا لمفاهيم «الاختلاف» و«التشكيك» وغيرها من المفاهيم المشابهة - هو بالقطع فن «طليعي» على نحو يجسد الخلاف والانشقاق لا المطالبة بالتضامن الجماعي. بهذه الطريقة، حولت ما بعد الحداثة المناشدة الأخلاقية بالاعتراف باستقلال «الآخر» إلى تصريحات مفككة للغاية حول التهميش والاختلاف، و«تفكيك» للاتجاهات المهيمنة، وهجمات على الأحكام النمطية، وغيرها. كثيرا ما تحدى فنانو ما بعد الحداثة تلك القوالب النمطية عن طريق تقديمها في شكل محاكاة ساخرة، كما نجد - على سبيل المثال - في الصور العارية التي التقطتها ليندا بنجليس لنفسها، من بينها صورة لها (1974) في وضعية مثيرة جنسيا، ترتدي فيها نظارات داكنة اللون وتمسك بيدها قضيبا اصطناعيا ضخما ذا طرفين. تهدف الصورة على الأرجح إلى تقديم محاكاة ساخرة - مصطنعة ومتهكمة - لقوالب الإعلام النمطية، لكنها كذلك «تستخدم» تلك القوالب، مثلها مثل العديد من الأعمال الفنية من هذا النوع. فتلك الصورة هي صورة مثيرة جنسيا جذابة في أعين الرجال. نلاحظ هذا التأثير المزدوج ذاته في المحاكيات الأدبية الساخرة، كما في الكتابة التي تدمج الأسلوب الإباحي في إطار هزلي مستغلة القوالب النمطية، والتي نجدها في الروايات التجريبية؛ بدءا من «بيت الموعد» لروب جرييه (1965)، وانتهاء ب «حفلة جيرالد» (1986) لروبرت كوفر.
Page inconnue