Postmodernisme : Une très brève introduction
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
تحول مركز الاهتمام من الحالة النفسية للشخصية (وهي محتوى يتعذر اختزاله؛ أي ظاهرة «إنسانية») إلى قصور مفهوم الشخصية، واعتبار الذاتية أثرا ناتجا عن خطابات متقاطعة ومتعددة تنتمي لأيديولوجيات متناقضة غير موحدة، ووليدة نظام ارتباطي يتضح في النهاية كونه نظام الخطاب في حد ذاته.
بيتر كاري، «الذوات العجيبة»، من كتاب مالكوم برادبوري ودي جيه بالمر «الأدب الأمريكي المعاصر» (1987)
أحد الأمثلة الكلاسيكية المهمة هي قصة العنوان في مجموعة جون بارث «تائه في بيت المرح» (1968)؛ حيث يصف الراوي - الذي يدعى أمبروز - صعوبة كتابة قصة تحمل عنوان «تائه في بيت المرح» تدور أحداثها حول شخصية تدعى أمبروز تضل طريقها في مدينة الملاهي. من المفترض أن الراوي سيزور مدينة أوشن سيتي مع أسرته في وقت ما أثناء الحرب الأخيرة، ويتضمن جزء من الرحلة زيارة الملاهي، لكنه شخصية يصورها كاتب يعي على الدوام حقيقة أنه «يروي قصة»، وأنه يستخدم الأعراف الأدبية في تلك العلمية، فيقول: «حتى الآن، لا يوجد حوار فعلي، ولا نجد سوى قدر ضئيل من التفاصيل الحسية، ولا شيء تقريبا يصلح كموضوع رئيسي.» أما أمبروز، فهو يؤدي وظيفة في قصة كاتبه ليس إلا، وهكذا «تصبح إحدى النهايات المحتملة أن يصادف أمبروز شخصا آخر تائها في الظلام.» ومن ثم، يجرد الكاتب القراء على الدوام من أي وهم حول استقلالية أمبروز كي ينظروا إليه (نظرة واقعية فعلية) على أنه نتاج قريحة من يكتبه، الذي يتصرف كذلك مثل كاتب نمطي يحاول على ما يبدو (كما تشير تعليقاته على وظيفة حروف الطباعة المائلة أو افتقار قصته إلى لحظة الذروة) تطبيق قواعد السرد الصحيحة التي تعلمها في مدرسة الكتابة.
إن ما ينطبق على شخصية في رواية ينطبق على الكتاب، فهم أيضا تشكلهم اللغة التي يعبرون عنها بالحديث (على سبيل المثال، لغة مدرسة الكتابة). وينطبق الأمر ذاته على القارئ - الذي ليس بحال أفضل من الكاتب - فهو أيضا «مشتت بين فجوات اللغة، واقع في شرك تنقل المعنى اللانهائي، ضائع وسطه في النهاية.» وفقا لهذه الرؤية لا يصبح «الإنسان»:
وحدة منسجمة أو كيانا مستقلا، بل عملية، وهو دوما قيد التكوين، ودوما متناقض، ودوما عرضة للتغيير.
كاثرين بيلزي، «الممارسة النقدية»، (1980)
لقطة ثابتة من فيلم بلا عنوان (1977)، لسيندي شيرمان.
لقطة ثابتة من فيلم بلا عنوان (1978)، لسيندي شيرمان.
شكل 3-1: سيندي شيرمان كما كان هيتشكوك سيراها أو أنتونيوني.
نجد كذلك المفهوم ما بعد الحداثي عن كون الهوية الإنسانية في الأصل كيانا خاضعا للتركيب في الفنون المرئية، كما في مجموعة صور سيندي شيرمان، التي حملت عنوان «لقطات ثابتة من فيلم بلا عنوان» (1977-1980)، والأعمال الشبيهة اللاحقة. في كل صورة تتقمص شيرمان شخصية ممثلة سينمائية، وتواري ذاتها تقريبا خلف ملابس مختلفة ومواقف مختلفة مفهومة ضمنيا، تعد مواقف نموذجية أو نمطية في الأفلام. في أثناء ذلك، نراها تتأقلم مع خطابات الفيلم السينمائي كي تقدم نفسها في صور فوتوغرافية ثابتة متقمصة شخصيات مختلفة ومتنوعة، لكنها جميعا تصورات (في الأغلب تهكمية أو ساخرة) للأنوثة، نراها في خطابات وسيلة من وسائل الإعلام الجماهيرية. بالطبع، تعرض الصور شكلا آخر من أشكال التمثيل ليس إلا، لكنها لا تعتمد على فيلم محدد، بل تطرح على نحو ممنهج أسئلة حول الأساليب التي تمكن شيرمان من الحفاظ على هوية ضمنية في تلك الأدوار المختلفة كلها أو العكس. وفي أثناء ذلك، تطرح الصور أيضا تساؤلات حول فكرة سيندي شيرمان «الحقيقية»؛ فأي من الصور قد تقنعنا بأننا نرى سيندي الحقيقية؟ صورة صريحة أم صادقة أم عاطفية أم حتى عارية؟ لكن كل صورة من تلك الصور ليست سوى نتيجة عرف آخر، وخطاب آخر.
Page inconnue