Martin Luther : Une très courte introduction
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
Genres
انطبقت معايير لوثر المبسطة لديانة «الصلاح بالأعمال» على الإسلام شأنه شأن اليهودية؛ إذ يجب أن يكتسب أتباعه الخلاص بالأعمال التي تستأهل الثواب، إلا أن لوثر انبهر بما سمعه عن تقوى المسلمين، ورأى أنها تقوى قد يندى أمامها جبين القساوسة المسيحيين خجلا. وقد يتعلم الكاثوليك من ممارسة الأتراك لشعائر الإسلام ولضبط الذات - نظرا لأنهم «كانوا يتفوقون على المسيحيين بشدة في هذا الصدد» - أن الديانة المسيحية يجب أن تتجاوز الطقوس والأخلاقيات.
مع ذلك، عزف لوثر عن إغداق المديح على الإسلام خشية أن يقود هذا بعض البروتستانت إلى إنكار المسيح واتباع محمد. ولم يمثل تحول المسيحيين إلى الإسلام تهديدا حقيقيا، لكن احترام المسلمين لشعائر ديانتهم خدم أهداف حركة الإصلاح الديني من ناحيتين؛ إذ أظهر - بمقارنته مع مسيحية العصور الوسطى - هذه المسيحية بمظهر سيئ، وذكر قراء لوثر أن جوهر المسيحية ليس الشعائر بل الإيمان والحب. وقد شارك لوثر أيضا إصلاحيين آخرين تفاؤلهم غير الواقعي بتحول المسلمين إلى المسيحية، فحسب على سبيل المثال أن المسيحيين الذين يؤسرون على يد قوات الأتراك سيبهرون بعض آسريهم المسلمين بإيمانهم وإخلاصهم وصبرهم، إلى الحد الذي يدفع ببعض المسلمين إلى التحول إلى المسيحية. فحث عام 1541 في مناشدته للدعاء على المسلمين على أن يعلم الأطفال جوهر العقيدة المسيحية حتى «يحملوا على الأقل شيئا من الإيمان المسيحي معهم» إن وقعوا أسرى. غير أنه لم يذهب إلى الحد الذي ذهب إليه تيودور بيبلياندر رجل الدين بمدينة زيوريخ، الذي بادر بنشر نسخة لاتينية منقحة من القرآن. فوفقا لبيبلياندر، إن الله أراد تخليص جميع البشر، بما في ذلك المسلمين، وسرعان ما ستصدر نسخة عربية من الإنجيل، بل وأبدى استعداده للسفر كمبشر إلى بلاد المسلمين. «جرأة لوثر كانت لا تصدق ... إذ كان أول الكتاب الذين امتلكوا القدرة على انتقاد الانتهاكات حيثما نبعت ، ولعله آخرهم»، لكن كاتب سير الأعلام إتش جي هايلي خفف نبرة إعجابه بصراحة لوثر؛ بالإشارة إلى أن لهجته الهجومية البذيئة في سنواته الأخيرة استحثتها جزئيا كراهيته للتقيد بالقانون، وأسفه وندمه وإحباطه كمحارب قديم. كما سيق العديد من الأمراض تبريرا لسلوك لوثر غير اللائق في كبره؛ كتبولن الدم والانسداد التاجي والاكتئاب. ولعل جميع العوامل آنفة الذكر لعبت دورا في ذلك، غير أن استخفاف لوثر بالضوابط الاجتماعية والأدبية المعتادة يشير إلى عوامل أخرى. فبوصفه محروما كنسيا وخارجا على القانون بمرسوم إمبراطوري؛ أحرز لوثر مكانته كقائد للحركة البروتستانتية بخسارة كبيرة - على المستوى الشخصي - أكسبته شعورا قويا بأحقيته في تصرفاته، ولعل هذا كان مدمرا، ولعله دفعه إلى ازدراء خصومه وإقصائهم، ككارلشتادت وتوماس منتسر وزفينجلي؛ حيث كان لوثر يشكو من أن هؤلاء تمتعوا بثمار معاركه دون الاضطرار إلى المجازفة بأي شيء لبلوغ النصر. ولما هدد الغزو الإسلامي العثماني ألمانيا مجددا عام 1541، ألقى لوثر باللوم على الألمان الجاحدين؛ لأنهم لم ينتبهوا إلى كلمة الله، بل انقسموا بدلا من ذلك إلى طوائف وبدع تصرخ بما لم تكن لتهمس به عندما كان البابا صاحب اليد العليا. المعنى الضمني هنا واضح: بدلا من رفض ما نادى به لوثر، دان له خصومه بالفضل؛ لأنه حررهم من هيمنة البابا، وكان عليهم أن يجعلوه القائد. حتى إن لوثر في مرحلة ما، ساورته الشكوك حيال كل قراراته، فقال في ذلك:
إن كان علي أن أطلق حركة الكتاب المقدس اليوم، كنت سأفعل ذلك على نحو مختلف؛ كنت سأترك السواد الأعظم من الناس تحت سلطة البابا، وأحاول بصورة غير ملفتة أن أنقذ أصحاب الضمائر اليائسة المؤرقة.
طلب من الكنائس في جميع أنحاء العالم - كدليل على الأمل والتصالح - أن تدعم مشروعا لزراعة الأشجار في حديقة خاصة للوثر بفيتنبرج؛ احتفالا بالذكرى الخمسمائة لحركة الإصلاح الديني في عام 2017. خطط لإنشاء الحديقة على قطعة أرض تشبه ختم لوثر؛ إذ يعتقد الكثيرون أنه قال: «إن علمت أن نهاية العالم ستقع غدا، كنت سأزرع رغم ذلك شجرة تفاح اليوم.» لكن لم يعثر على هذه المقولة حتى الآن بين كتاباته، ويعتقد الباحثون أنها أتت من كنيسة الاعتراف الألمانية، التي استخدمتها لبث الأمل والمثابرة في القلوب إبان معارضتها للدكتاتورية النازية.
شكا لوثر لدن مشارفته على الموت من النبلاء الجشعين والعمال اللصوص والمحامين المحتالين ورجال المصارف المرابين، قبل أن يخلص إلى مقولته التالية:
تنضح ألمانيا بالآثام التي ترتكب في حق الله، ويبلغ بها الحد تبرير هذه الآثام متجاسرة على الله، وهو ما يجعلني مع الأسف أشبه بنبي حقيقي، فقد قلت مرارا وتكرارا إننا إن لم نعاقب أنفسنا، فسيفعل ذلك الأتراك نيابة عنا.
كان من الممكن أن تزداد الأحوال سوءا؛ حيث قال لوثر محذرا من الاستخفاف بالكلمة [كلمة الله] التي دعتهم إلى التوبة:
لا عجب إن أطلق الله على ألمانيا ليس فقط الأتراك بل والشياطين أنفسهم، أو لو كان قد أغرقها من زمن بطوفان.
كتب لوثر إلى صديقه لينك، قبل أقل من عامين على وفاته، بعد أن خارت قواه مطمئنا إلى ما آلت إليه حركة الإصلاح الديني، ومتفائلا بها:
أنا عن نفسي أتمنى أن تكون ساعة انتقالي إلى الله ساعة طيبة. أشعر بالرضا والتعب، وليس لدي شيء آخر. لكن احرص على الدعاء لي بإخلاص بأن يقبض الله روحي إليه في سلام. لا أترك كنيستنا في وضع هزيل، بل إنها تزدهر بالتعاليم النقية الصحيحة، وتنمو يوما بعد يوم بفضل [جهود] العديد من القساوسة الممتازين المخلصين.
Page inconnue