Martin Luther : Une très courte introduction
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
Genres
أوى حصن كوبورج على أطراف ساكسونيا الجنوبية عام 1530 لوثر الخارج عن طاعة الإمبراطور أثناء انعقاد مجلس أوجسبورج، الذي رفض فيه شارل الخامس الإعلان العقائدي، الذي كان قد طلبه من الإصلاحيين الألمان والسويسريين، وأصبحت المواد الثماني والعشرون التي قدمها إصلاحيو فيتنبرج وحلفاؤهم - والتي شاعت تسميتها باسم إقرار أوجسبورج - الوثيقة المؤسسة للكنائس التي استخدمت تدريجيا اسم لوثر للتمييز بين حركتها النامية من روما ومن الكنائس البروتستانتية المتأثرة بحركة الإصلاح التي ظهرت في زيوريخ وجنيف. أرضى انضمام المناطق الخاضعة لدوق ساكسونيا (النصف الذي ظل على ولائه لروما) إلى قائمة المناطق المدينة بالمذهب اللوثري؛ لوثريي فيتنبرج إلى حد هائل. وفي عام 1539، احتفل لوثر بالمناسبة بإلقاء عظة في مدينة لايبزيج؛ حيث تناظر هو وكارلشتادت قبل عشرين عاما مع جون إيك أمام عيني الدوق الكاثوليكي جورج، دوق ساكسونيا المعادي لهما. افتتح لوثر هذه العظة التي ألقاها يوم سبت بالإقرار بأنه لم يشعر بأنه على ما يرام، وبأنه يحتاج إلى الالتزام بدرس الكتاب المقدس المخصص لليوم التالي، الذي تصادف أنه يوافق عيد الخمسين. بدأ النص (إصحاح جون 14 من الآية 23 إلى 31) بالتوكيد على أن المسيح وأباه سيسكنان مع من بلغتهم كلمة المسيح وحافظوا عليها. وجد لوثر هذا النص مطمئنا، لكنه وجد فيه أيضا أن مفهوم الكنيسة الحقة (هؤلاء الذين حافظوا على كلمة المسيح) يتنافى مع مفهوم البابا وكنيسته، اللذين وجد في نفسه عزما كبيرا على انتقادهما، وألقى في عصر اليوم التالي عظة دينية في كنيسة سانت توماس، التي اشتهرت فيما بعد بفضل الموسيقي باخ، ثم غادر يوم الإثنين من الأسبوع نفسه إلى مسقط رأسه برفقة يوناس وميلانشتون والدوق البروتستانتي الجديد هنري الذي صاحبهم للعشرين ميلا الأولى من رحلتهم.
مثلت الرحلة إلى لايبزيج المرحلة الأكثر إمتاعا في حياة لوثر للسنوات القادمة، لكنها كانت كغيرها من الرحلات القصيرة التي سافر فيها إلى الوجهات القريبة من فيتنبرج في ثلاثينيات القرن السادس عشر؛ إذ قام سنويا - باستثناء عام 1535 - برحلة أو أكثر من تلك الرحلات، رغم أنه كان يعاني بين الفينة والفينة خلالها من أمراض مؤقتة. وقد حملت أغلب تلك الرحلات - كزياراته إلى مقار الإقامة الأخرى لأمير ساكسونيا جون فريدريك - أهدافا سياسية، لكن في أكتوبر عام 1538 اصطحبه يوناس وإراسموس شبيجيل قائد حرس فيتنبرج في رحلة صيد قصيرة، سقط فيها جواد الأخير أثناء ملاحقته أرنبا بريا ولقي حتفه، فاعتقد لوثر أن الأرنب البري كان شبحا شيطانيا، وعندما دعي للعودة إلى فيتنبرج لأن ناخب المدينة أراد مقابلته، رفض المغادرة لأن زميله يوناس أصيب بنوبة ألم شديدة جراء الإصابة بحصوات في الكلى. استقبل لوثر آنذاك في بلدته الكثير من الزوار البارزين ، من بينهم الإصلاحيان مارتن بوسر وفولفجانج كابيتو، وزملاؤهما من جنوب ألمانيا الذين سعوا للتوصل إلى اتفاق حول طقوس العشاء الرباني لتعزيز التحالف البروتستانتي. كان لوثر قد طلب من هؤلاء القدوم إلى فيتنبرج لاعتلال صحته، لكنه لم يبد عند وصولهم إلا ميلا ضعيفا للتفاوض، والمدهش رغم ذلك هو أنهم توصلوا إلى اتفاق حقيقي لم يتطلب إلا تنازلات لا تذكر من كلا الطرفين؛ فقبل لوثر من ناحية بتصريح بوسر بأن جسد المسيح ودمه كائنان في الخمر والخبز ويقدمان للمؤمن، كما اتفق كلاهما على أن جسد المسيح ودمه يتلقاهما غير الجديرين بهما، على الرغم من أن كليهما ربما لم يتفقا على معنى كلمة «غير الجديرين». وأعلن أستاذا علم اللاهوت أنهما أخوان، واحتفلا معا بالعشاء الرباني، لكن اتفاقهما لم يفض إلى جبهة بروتستانتية موحدة؛ إذ لم يقبل السويسريون به، غير أنه أتاح للمزيد من سكان جنوب ألمانيا، الذين تحيروا ما بين اختيار مذهب زفينجلي ولوثر، الانضمام لأتباع الحركة اللوثرية في شمال ألمانيا.
في أواخر عام 1535، بلغ فيرجيريو السفير البابوي، مدينة فيتنبرج للتعرف على أفكار لوثر حول نية البابا بعقد مجمع كنسي، وتساءل - وقد انتابه فضول أثناء إفطاره مع بوجنهاجن ولوثر في قلعة فيتنبرج - عن الشعائر الكنسية اللوثرية كتنصيب الكهنة، فأكد له لوثر أن شعائر تنصيب رعاة الكنائس استمرت رغم عدم وجود أساقفة لتأديتها. وانخرط الثلاثة في تبادل المزحات الساخرة بود، ووعد لوثر بحضور المجمع الكنسي إن عقد. وفي عام 1536 دعا البابا بولس الثالث بالفعل إلى عقد مجمع كنسي يبدأ في العام التالي في مانوتا، فاجتمع كل من الحكام وعلماء اللاهوت في فبراير عام 1537 في مدينة شمالكالد للبت في إرسال مبعوثين إلى المجمع الكنسي من عدمه، ثم رفضت الدعوة التي قدمها المبعوث البابوي لحضور المجمع الكنسي بوقاحة من قبل جون فريدريك ناخب ساكسونيا، الذي تشبث بعناد برفضه لحضور البروتستانتين المجمع، رغم نصح لوثر له بقبول الدعوة. وظل لوثر يذكر هذه المقابلة جيدا؛ لأنه ابتلي حينها بانسداد في المسالك البولية، ورفض الاستجابة للعلاجات الطبية إلى أن استجاب لها أخيرا في طريق عودته إلى المنزل. اشتدت معاناته من المرض في شمالكالد، حتى إن النقاشات الدينية قوطعت اضطرارا آنذاك، وتخوف الجميع من أن يلقى حتفه. واستغرقت صحبته أسبوعين في طريق الرجوع عبر إيرفورت وفايمار للوصول إلى فيتنبرج، حيث كانت تشق طريقها بحذر.
شكل 3-1: فيليب ميلانشتون، بريشة لوكاس كراناش، 1537.
1
استأنف لوثر لدى عودته إلى فيتنبرج برنامج عمل مزدحم بالكتابة وإلقاء المحاضرات والعظات والعمل كعميد لجامعة فيتنبرج الدينية، فيما عني أصدقاؤه وزملاؤه الآخرون كميلانشتون وبوجنهاجن ويوناس وآمسدورف بالإصلاحات في المناطق الأخرى، وما تزال محاضراته عن أهل غلاطية التي ألقاها عام 1531 (التي نشرت عام 1535 و1538) ودورته عن سفر التكوين، التي بدأت عام 1535 واستمرت لعقد، من أهم مصادر نظريته اللاهوتية؛ إذ شعر لوثر وهو يخاطب جيلا أصغر من الطلاب أن عليه أن يذكرهم بالسبب الذي يجعل حركة الإصلاح ضرورية، وبمدى أهمية حماية ما تم إنجازه، وقدم عام 1538 أسبابا مماثلة للاجتهاد لأخيه الأوغسطيني جيمس بروبست الطالب لديه، والذي كان آنذاك أحد مناصري حركة الإصلاح بمدينة بريمن. ورغم أن لوثر كان بحلول هذ الوقت عجوزا منهك القوى، أضنته الجهود الجهيدة الكثيرة التي بذلها؛ تجدد شبابه كل يوم نظرا لظهور طوائف جديدة لمناوءته. بعد ستة أعوام، سر لوثر بإهداء كنيسة صغيرة جديدة في مقر إقامة حاكمه الساكسوني في تورجاو، حيث صممت الكنيسة - التي تعد من أولى الكنائس التي شيدت كأحد أماكن العبادة اللوثرية - حول منبر الوعظ للتوكيد على أن العظات هي محور العبادة اللوثرية، وزينت أطرافها الأنيقة بلوحات من أعمال صديق لوثر؛ لوكاس كراناش، ووضع عند الحائط الموجود بنهاية الكنيسة أعلى مائدة الاحتفال بالعشاء الرباني آلة الأرغن الموسيقية، ليعزف عليها يوهان فالتر قائد جوقة ناخبو ساكسونيا ومؤلف موسيقى حركة الإصلاح في بدايتها. أكد لوثر أن المسيح منح أتباعه حرية التجمع للعبادة في الوقت والمكان الأنسب لهم، ومن ثم لم تكن كنيسة تورجاو كنيسة مخصصة لحاشية البلاط، بل كانت مكان عبادة لكل من يرغب في زيارتها، حتى إنه قال إن من الممكن كذلك إلقاء العظات عند النافورة الموجودة خارج الكنيسة.
كانت الخسارة من فقدان كل شيء تقف خلف النبرة الحادة التي ميزت الكثير من كتاباته الأخيرة، ففي عام 1544 حث زميل له على الدعاء بلا توقف من أجل الكنيسة؛ لأنها واجهت خطرا كبيرا. ومن ناحية كانت بعض مخاوفه مبررة؛ ففي أربعينيات القرن السادس عشر أعرب مجلس ترينت الكاثوليكي عن صدق رغبة روما في إصلاح نفسها؛ مما جعل صبر الإمبراطور شارل الخامس ينفد، ودعاه إلى أن يقرر أن يجبر البروتستانتيين الألمان على الخضوع لسلطة البابا من جديد. لكن من ناحية أخرى غالى لوثر في تقدير بعض التهديدات التي شكلها خصومه الذين حشرهم جميعا في زمرة أعداء الإنجيل، واتهم الأتراك واليهود ومؤيدي السلطة البابوية ومن يؤمنون بمجازية القرابين المقدسة (البروتستانتيون المعارضون لنظرته إلى القرابين المقدسة) بأنهم عملاء الشيطان في عزمه على تدمير الحقيقة التي استعادتها الحركة اللوثرية. لقد سبب زحف الأتراك العثمانيين على أوروبا الوسطى مخاوف حقيقية، لكن قلق لوثر والإصلاحيين الآخرين من الكيان اليهودي في أوروبا كان غير منطقي. نبع هذا القلق من خيبة أملهم التي تشي بسذاجة لفشل الرسالة البروتستانتية في إقناع اليهود بالتحول إلى البروتستانتية بأعداد كبيرة، ومن المناخ المعادي لليهود في أواخر العصور الوسطى بأوروبا الذي قاد إلى طرد اليهود واضطهادهم. ونظر لوثر في عام 1546 - كما فعل عام 1521 - إلى حركة الإصلاح الديني على أنها من عمل الرب، وأنه هو نفسه أداة الرب في صراعه العظيم مع الشيطان.
شكل 3-2: منبر الوعظ في الكنيسة اللوثرية بقلعة تورجاو، 1544.
2
في باكورة صباح 18 من فبراير عام 1546، توفي لوثر في آيسلبن، في البلدة نفسها التي ولد بها، بعد أن نجح في تسوية خلاف بين كونتات مانزفيلد. أقام هناك في منزل للدكتور فيليب دراتشتيدت، الذي كان كوالده صاحب مصهر بارز في مانزفيلد، ودرس القانون وأصبح مستشارا بالمحكمة، ووفقا لشاهدين - صديق لوثر يوستوس يوناس، وراعي أبرشية مانزفيلد مايكل كوليوس - رحل لوثر عن العالم بهدوء بعد أن أقر بإيمانه. وقبل أن يعاد جثمانه إلى فيتنبرج، صب قالب من الشمع لوجهه ورسمت لوحات له بعد وفاته . ودفن لوثر بالقرب من منبر كنيسة القلعة، بعد خطبة ألقاها بوجنهاجن وخطاب تأبين رثائي ألقاه ميلانشتون، وقال فيه للمعزين: «نحن كالأيتام حرمنا من أب صالح مخلص.» كان ميلانشتون قد أعلن في وقت سابق وفاة لوثر لطلاب الأخير، مشبها وفاته بعروج إيليا إلى السماء في مركبة النيران قائلا: «رحل قائد مركبة إسرائيل الذي وجه الكنيسة في الأيام الأخيرة لهذا العالم.»
Page inconnue