عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدا منهم.
وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك في مؤلف ألفه وسماه ب " التنفيس " وأقام في روضة المقياس فلم يتحول عنها إلى أن مات، لم يفتح طاقات بيته التي على النيل من سكناه.
وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته، ويعرضون عليه الأموال
النفيسة فيردها، وأهدى إليه الغوري خصيا وألف دينار، فرد الألف، وأخذ الخصي فأعتقه وجعله خادما في الحجرة النبوية وقال لقاصد السلطان: لا تعد تأتينا قط بهدية، فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك، وكان لا يتردد إلى السلطان ولا إلى غيره، وطلبه مرارا فلم يحضر إليه.
ويقول العيدروسي (١): وحكي عنه أنه قال: رأيت في المنام كأني بين يدي النبي ﷺ فذكرت له كتابا شرعت في تأليفه في الحديث، وهو " جمع الجوامع " فقلت له: أقرأ عليكم شيئا منه؟ فقال لي: هات يا شيخ الحديث، قال: هذه البشرى عندي أعظم من الدنيا بحذافيرها.
مؤلفاته: يقول ابن العماد (٢): وقد أشتهر أكثر مصنفاته في حياته في أقطار الأرض شرقا وغربا، وكان آية كبرى في سرعة التأليف، حتى قال تلميذه الداودي: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفا وتحريرا، وكان مع ذلك يملي الحديث، ويجيب عن المتعارض منه بأجوبه حسنة، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه، رجالا
_________
(١) شذرات الذهب ٨ / ٥٣.
(٢) الكواكب السائرة ١ / ٢٢٨.
(*)
1 / 9