Le mystère d'Ishtar : la déesse, l'origine de la religion et du mythe

Firas Sawwah d. 1450 AH
206

Le mystère d'Ishtar : la déesse, l'origine de la religion et du mythe

لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة

Genres

إذا استثنينا الأساطير الأوغاريتية التي وصلت إلينا محفورة على ألواحها الطينة في حالة سليمة نسبيا، فإن معرفتنا المباشرة بأساطير الكنعانيين قليلة جدا. فجل ما نعرفه عنها منقول عن المصادر الإغريقية أو على لسان مؤلفين سوريين هلنستيين من الفترات المتأخرة؛ لذلك يجب أن نكون منتبهين للعناصر الإغريقية التي تبدو واضحة في بعض الأساطير، ومنها أسطورة عستارت وأدونيس. خصوصا وأن الإلهة عستارت الفينيقية هي التي غدت أفروديت الإغريقية، بعد أن أخذ اليونان عبادتها عن طريق جزيرة قبرص التي أنشأ السوريون أول حواضرها ، وأسسوا فيها عبادة عستارت، التي كان معبدها في مدينة «بافوس» يعتبر من المعابد المشهورة في العالم القديم، عندما كانت هذه المدينة مرتبطة مباشرة بملك بيبلوس الكنعانية.

تقول الرواية الإغريقية للأسطورة: إن أم الإله أدونيس قد حولت نفسها إلى شجرة عندما حملت به، ثم ولدته وهي في هذه الحال، فأتى طفلا ذا جمال لا حد له، فأحبته الإلهة أفروديت وهو طفل صغير فأخذته إليها. وفيما هي تستعد لغياب طويل، وضعت أدونيس في صندوق أحكمت إغلاقه خوفا على الصغير، ثم أودعت الصندوق لدى بيرسفوني إلهة العالم الأسفل، وغادرتها معتقدة أن بيرسفوني سوف تحافظ على الصندوق دون أن يدفعها فضولها إلى فتحه ومعرفة ما بداخله. وعندما عادت أفروديت من غيبتها، وجدت أن بيرسفوني قد فتحت الصندوق وبهرها جمال الطفل فقررت الاحتفاظ به لنفسها. هنا ينشأ نزاع بين الإلهتين حول الاستئثار بأدونيس الصغير، ينتهي بأن تحتكما إلى كبير الآلهة الذي يحكم بأن تتقاسم الإلهتان أدونيس، وذلك بأن يقضي نصف السنة في العالم الأسفل بصحبة بيرسفوني، ونصف السنة الآخر بصحبة أفروديت.

43

وفي رواية أخرى لأسطورة أدونيس، نجده شابا يافعا مولعا بالصيد والقنص، تقع في حبه أفروديت وتقضي وقتها في قلق عليه من مخاطر هوايته تلك، محاولة دفعه للإقلاع عنها. إلى أن جاء يوم صرعه فيه خنزير بري في جبل لبنان، قرب منبع النهر الذي سمي فيما بعد باسمه، ففاض دمه ملونا مياه النهر بالأحمر القاني، وانبثقت من قطرات دمه المتساقطة على التراب أزهار شقائق النعمان الحمراء. وفي كل عام يأتي أدونيس إلى المكان نفسه في الربيع ليلقى الميتة نفسها وتفيض دماؤه فتصبغ المياه نفسها المتدفقة من بين الصخور الجبلية.

44

هذا وما زالت بقايا معبد عستارت العظيم الذي أقيم عند نبع أدونيس، الذي هو نهر إبراهيم اليوم، قائمة قرب قرية أفقا اللبنانية. وما زال هناك نصب صخري يصور مصرع أدونيس، حيث نرى الإله الشاب وبيده حربة منتظرا انقضاض الوحش، وعلى مقربة تبدو عستارت جالسة في وضع الحزن والحداد. والمشهد كله لا يصف لنا لحظة صراع بقدر ما يصف لحظة استسلام للموت. فحربة أدونيس ليست في وضع الاستعداد والتأهب، وإنما مسترخية في وضع الراحة، أما عستارت فلا تبدو في وضع من يحاول الدفاع أو المساعدة، ولا حتى في هيئة القلقة على الحدث الجلل الذي يوشك أن يقع، وإنما في وضع المستسلمة للمصير المقدر.

رغم الشكل المزخرف لهذه الأسطورة، في روايتيها، فإنها تطرح تشابها واضحا مع أسطورة عشتار وتموز البابلية، وتشف في الوقت نفسه عن العناصر الأساسية للأسطورة النيوليتية الأولى. (1) فالشجرة التي ولد منها الإله هي عستارت نفسها، أو عشتاروت كما يدعوها كتاب التوراة؛ إذ إن الكنعانيين كانوا يرمزون لها بجذع شجرة يضعونه في محرابها. وقد أشار التوراة في أماكن متعددة من أسفاره إلى هذه الجذوع الممثلة للإلهة، باسم السواري جمع سارية. ولربما كان أصل حكاية الميلاد من شجرة، أن الكنعانيين كانوا يمثلون دراما ميلاد أدونيس في المعبد أمام جذع الشجرة-العشتاروت. (2) يلعب أدونيس في هذه الأسطورة دور الابن ودور العشيق أمام الإلهتين. فالصغير الذي وضع في الصندوق هو الابن، أما الشاب الجميل الذي تتناوله أحضانهما، فهو الحبيب الذي يتزوج الأم الكبرى في وجهيها الأبيض والأسود. (3) أفروديت وبيرسفوني، هما عشتار وإريشكيجال. وأدونيس الذي يقضي ستة أشهر في عالم بيرسفوني المظلم، وستة أشهر أخرى في عالم أفروديت، هو تموز الذي يموت في الأسطورة البابلية ستة أشهر ثم يبعث إلى الحياة ستة أشهر أخرى. (4) إن قيام عشتار بتسليم تموز إلى الموت، يبدو في أسطورة أدونيس وعشتاروت في قيام أفروديت بوضع الطفل في صندوق وإيداعه لدى بيرسفوني. أما هبوط عشتار إلى العالم الأسفل لاستعادة تموز، فيعكسه رجوع أفروديت إلى بيرسفوني طالبة استعادة الصندوق. (5) كما أن قيام عستارت بتسليم أدونيس إلى الموت يبدو في المستويات السرانية لفهم رواية الخنزير البري. فالخنزير البري كان رمزا من رموز الإلهة عستارت، وليس قيامه بقتل أدونيس إلا إشارة إلى قيام عستارت بإرسال حبيبها إلى العالم الأسفل. وفي إحدى روايات الميلاد من شجرة، نجد الخنزير البري ينطح بقرنه الشجرة الحبلى فتنشق ويخرج منها الوليد الإلهي، وبذلك يساهم الخنزير في ولادة الإله، ثم يرسله فيما بعد إلى العالم الأسفل. وفي كل ذلك رمز وإشارة إلى أن الأم الكبرى التي وهبت أدونيس الحياة هي التي سلبت منه الحياة. (6) يظهر عنصر الاستسلام الإرادي للموت في المشهد الذي يقدمه النصب الصخري. فأدونيس يقف مستسلما في انتظار مصيره المقرر سلفا، وعستارت تشرع في حدادها تاركة خنزيرها ينقض على زوجها الشاب. (7) تطرح هذه الأسطورة تشابها واضحا أيضا مع أسطورة ديمتر وبيرسفوني. ففي كلا الأسطورتين إله شاب أو إلهة شابة يختطفها الموت، فنزاع بين إله علوي وإله سفلي، ينتهي بتسوية تجعل الإله المخطوف أو الإلهة المخطوفة، يقسمان وقتهما بين العالم العلوي والعالم السفلي.

فإذا أرجعنا كل هذه البنية الأسطورية المعقدة والمثقلة بالرموز إلى عناصرها الأولية البسيطة، لوجدنا أنفسنا مرة أخرى وجها لوجه أمام قصة الإله الابن، روح القمح، الذي تحول فيما بعد إلى روح للنبات بشكل عام. تموز الخضر، وتحت قناع أدونيس، يظهر هنا وجه «آيلينوس»، الشاب الغض الذي كان الحصادون السوريون يندبون موته، وهم يهوون بمناجلهم على سيقان القمح الجافة. هذه العلاقة بين أدونيس وآيلينوس لم تكن غائبة تماما. فهذه «سافو» الإغريقية، شاعرة جزيرة ليسبوس التي أنشدت بكائيات أدونيس:

أدونيس الرقيق يموت يا «كيثيريا»، فما نحن فاعلات؟

اضربن على صدوركن أيتها الفتيات ومزقن أرديتكن.

Page inconnue