Le mystère d'Ishtar : la déesse, l'origine de la religion et du mythe
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Genres
9
من الواضح أن كل ما يعزوه الفكر الأسطوري الأورفي إلى فانيس-ديونيسيوس كان في أصله للأم الكبرى؛ خصوصا وأن الأورفية قد تفرعت عن ديانة الخصب الديونيسية، شأنها في ذلك شأن ديانات الخلاص السرية التي نشأت في صميم ديانة الأم الكبرى ثم استقلت عنها. فالبيضة الكونية الفضية هي كتلة السماء والأرض، والإله الذي تقول الأسطورة إنه انبثق من البيضة بطبيعة مؤنثة ومذكرة، هو الأم الأولى، الأفعى الكونية، وقد أنجبت السالب والموجب، المذكر والمؤنث؛ فالليل والنهار؛ فالسماء والأرض. إن فانيس المذكر والمؤنث هو رمز لتحرك المتناقضات في أعماق الأم الأولى العذراء المكتملة. والمضاجعة النرجسية بين شقيه هي إذابة لحالة التكامل الأولى وتجاوزها إلى وضع دينامي جديد. هذه المضاجعة التي تذيب الوحدة الأصلية لتذكرنا بالمضاجعة التي تمت بين آدم وحواء . فآدم في الأسطورة الذكرية هو المخلوق الأول في جنة التكامل والسكينة الأبدية. ورغم أنه كان ذكرا إلا أنه كان يحتوي في داخله على بذور الأنوثة الكامنة التي تحققت عندما استلت منه حواء، فحصل انقسام المخلوق الأول وولدت المتناقضات، وحدثت المضاجعة التي أفقدت الذكر والأنثى وحدتهما الأولى وتكاملهما، وقذفت بهما إلى عالم الخير والشر، عالم المتعارضات هذا. ورغم أن الأسطورة الأورفية، الآنفة الذكر، لا تشير إلى ولادة البيضة الفضية من الأفعى الكونية، فإن الأعمال التشكيلية الأورفية تظهر البيضة التي انطلق منها فانيس فيما بعد، وقد التفت عليها الأفعى في حركة لولبية. وهذه الحركة اللولبية تعادل في مدلول الرمز حركة الأفعى المنغلقة التي تعض على ذيلها.
في المعتقد المسيحي نجد فكرة الأوروبوروس البدئي والدارة المغلقة في الحالة التي كان عليها المطلق قبل خلق العالم. فكما رأينا في الفصل السابق: «كان المطلق قبل الأزمان ثلاثة: الإله الأب والإله الابن والروح القدس. وكان الابن موضوع حب الأب، أما الروح القدس فكان الحب الساري بينهما، وهو الذي كان وراء خلق العالم وهو الذي ميز علاقة الله بالكون.
10
فالحب هنا، هو الذي يغلق المدار الأعظم البدئي، منتقلا من الأب إلى الابن، ومن الابن إلى الأب في حركة أبدية تكرس السكون التام للمطلق المكتفي بذاته، اكتفاء الأقانيم الثلاثة: تعامة وآبسو وممو في الأسطورة البابلية. ولكن الحب الذي يغلق هذه الدارة هو الذي يكسرها فتنفتح لتشمل الكون الذي يتم خلقه بواسطة الإله الابن. وهنا يلعب الحب نفس الدور الذي لعبه في تكوين سانخونياتن عندما «وقعت الريح في حب مبادئها الخاصة وتمازجت، هذا التمازج كان الرغبة»، ونفس الدور الذي لعبه في التكوين الإغريقي عندما خرج إيروس من العماء الأول بعد جايا، وكذلك في التكوين الأورفي عندما كان إيروس أول من خرج من بيضة الأوروبوروس.
بدافع الحب خرج الإله الابن من الدارة المطمئنة والعلاقة النرجسية الأزلية ، فرسم على سطح المياه التي كان روح الثالوث يرف فوقها قبل التكوين، دائرة الكون، البيضة الأولى. وهذا هو معنى الترتيلة التي ما زلنا نسمعها يوم الجمعة الحزينة: «اليوم علق على خشبة، الذي علق الكون على المياه.» وإلى هذا العمل الأول من أعمال الخلق، تشير بعض اللوحات الفنية التي تصور الإله الابن وقد أمسك بيده فرجارا يرسم به كرة فوق سطح المياه الأولى، تحتوي بداخلها مادة الكون في شكلها الأولي. ولكن ما طبيعة هذه المياه الأولى التي أنجبت كرة الكون بمعونة الإله الابن، هذه المادة التي كان الثالوث المقدس يرف فوقها في انسجام مطلق، والمشاركة له في أزليته؟
إن كل هذه الرموز الأسطورية الخاصة بالسيدة مريم العذراء على غناها وتعقدها، لتشير بشكل سراني إلى أنها المادة الأولى العذراء، التي شقها الخالق لاستخراج مظاهر الكون من رحمها البدئي، فهي «النبع المختوم» و«الرحم المقدس»، وهي مياه الغمر الأولى، وهي البيضة البدئية التي كورها اللوغوس فوق المحيط، وهي زهرة العالم التي يفيض الوجود من مركزها. تصورها بعض الأعمال التشكيلية وقد خرجت من زهرة كونية تنفتح كما يتفتح الرحم عند الولادة (الشكل رقم
5-2 )، وليس تجليها في الزمن تحت اسم مريم ابنة حنة ويواكيم، إلا مقدمة لدخول المطلق في التاريخ، من أجل تحقيق خلاص البشر. وفي القداسات الخاصة بالسيدة مريم، وخصوصا يوم صعودها إلى السماء تتلى الصلوات والتراتيل المأخوذة من العهد القديم، مع إسباغ معان جديدة عليها تنطبق على السيدة مريم باعتبارها الأم التي كانت قبل العالم، والتي ستستمر بعد فنائه.
11
ونشير في هذا المجال خصوصا إلى ذلك المقطع من سفر الأمثال الذي يتحدث عن حكمة الرب: «الرب قناني أول طريقه، من قبل أعماله منذ القدم، منذ الأزل مسحت، منذ البدء منذ أوائل الأرض؛ إذ لم يكن غمر أبدئت؛ إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه. من قبل أن تقررت الجبال، قبل التلال أبدئت إذ لم يكن قد صنع الأرض ولا البراري ولا أول أعفار المسكونة. لما ثبت السماوات كنت هناك أنا، لما رسم دائرة على وجه الغمر.»
Page inconnue