وهو كثير في كلامهم، ووقوع مثل هذا من أمثال هؤلاء الأئمة في منتهى الغرابة.
ويقولون: أخذت بناصر فلان؛ يعنون: أخذت بيده ونصرته، وهو غير مسموع عن العرب، ولا يظهر له وجه في اللغة.
ومثله قولهم: فعلت هذا لصالح فلان؛ أي: لمصلحته ومنفعته، وهذا الأمر من صالحي، وهي الصوالح. ولم يأت الصالح في شيء من اللغة بهذا المعنى، وإنما هو من كلام العامة.
ويقولون: أنعم بفلان من رجل؛ أي: نعم الرجل هو. فيأتون به على صيغة أفعل على حد أكرم به مثلا، ومنهم من يجمع بينهما يقول: أنعم به وأكرم، وهي من العبارات الشائعة على ألسنة العامة. ومعلوم أن أنعم به صيغة تعجب؛ فهو بمعنى: ما أنعمه! كما أن أكرم به بمعنى: ما أكرمه! وحينئذ فاشتقاقه من النعومة أو النعمة لا من نعم التي هي فعل مدح؛ لأن هذه من الأفعال الجامدة التي لا تبنى منها صيغة التعجب.
ويقولون: أرفقته بكذا، وجاء مرفوقا بفلان، وأرسلت الكتاب برفق فلان؛ أي: برفقته. وكل ذلك بعيد عن استعمال العرب؛ لأن فعل الرفقة لا يتجاوز المفاعلة وما في معناها. يقال: رافقته وترافقنا وارتفقنا، ولا يقال: أرفقت فلانا ولا رفقته به. على أن المرافقة لا تكون إلا في السفر، فإن أريد مطلق الصحبة قيل: أصحبته الشيء، واستصحبته كتابي.
ومن ذلك قولهم: يخال لي أن الأمر كذا بفتح الياء أو ضمها على أن الفعل مجرد أو من باب أفعل مبنيا للمجهول، وكلاهما غير صواب؛ لأن خال المجرد لا يكون إلا متعديا؛ تقول: خلت الأمر كذا ولا تقول خال لي الأمر، وأخال لا يكون إلا لازما؛ تقول: أخال الأمر إخالة: إذا اشتبه والتبس، وهو أمر مخيل. والصواب: يخيل إلي أن الأمر كذا، من باب التفعيل، وقد خيل إلي أنه كذا بالبناء فيهما للمجهول.
ويقولون: أحطته علما بالأمر؛ أي: أنهيته إليه وأعلمته به، فيجعلون هذا الفعل متعديا، وهو لا يكون إلا لازما، يقال: أحطت بالأمر وأحطت به علما، لم يسمع فيه غير ذلك.
ويقولون: حافة الوادي، فيشددون الفاء، ويجمعونها على حفافي، وصوابها حافة بالتخفيف، والمشهور في جمعها حافات على لفظ المفرد، وتجمع أيضا على حيف بالكسر
1
مثل غادة وغيد، ومن الأول الحديث عليك بحافات الطريق. وربما قالوا في جمعها: حوافي كأنهم جمعوا حافية، وهو كذلك مسموع من بعض عامتنا، وقد ورد في شعر للطرماح رواه صاحب لسان العرب، ثم قال: فسر بأنه جمع حافة ولا أدري وجه هذا إلا أن تجمع حافة على حوائف، كما جمعوا حاجة على حوائج - وهو نادر عزيز - ثم تقلب.
Page inconnue