45

La Langue Poétique

اللغة الشاعرة

Genres

وإن الفتى بعد السفاهة يحلم

وهذه القصيدة أوفى قصائد الشعر الجاهلي في وصف قيم الحياة والأخلاق الفضلى، كما يتمثلها شاعر جاوز الثمانين وقضى العمر في عراك العيش بين الحرب والسلم والشدة والرخاء، وقام بتكاليف الحياة حتى سئم تكاليف الحياة، ولكنه أراد أن يمحضها خالصة لمن يسأمها ولا يزال يعانيها.

وليس أغنى من الشعر الجاهلي بهذه «المذاهب الأخلاقية» معروضة في صدر الشخصيات الحية، يتسع فيها المجال لتطور كل شخصية على حسب اختلاف السن والمزاج وتجارب الأيام ...

ولكنها - على هذا الاختلاف - تستمد القيم من وحي المجتمع العربي في نطاقه، ولا تخرج منه ولا تشعر بالحرج أو بالحجر من أجل ذلك؛ لأنها هي لا تريد أن تخرج من ذلك النطاق، وتحس بأنها تفرضه كما يفرض عليها.

وإذا سألنا عن أثر الشخصية وأثر المجتمع أيهما أظهر وأقدر في خلق هذه القيم الحية، فقد يفضي بنا البحث النظري إلى سؤال كالسؤال عن البيضة والدجاجة، ولكن الأمثلة الواقعية هنا تعطينا الجواب محسوسا مفهوما لا محل بعده للبحوث النظرية.

إن استقلال الشخصية قد بلغ غايته القصوى في رجل ثائر على المجتمع، متمرد على قومه، مفاخر بهذه الثورة وهذا التمرد، وهو عروة بن الورد الملقب بعروة الصعاليك؛ لأنه كان يقود صعاليك القوم ليجلب لهم الميرة ولوازم المعيشة.

ولكنه لم يكن يثور ويتمرد إلا ليحقق القيم الاجتماعية التي تعارف عليها الناس من عشيرته، فيخرج مغيرا مجازفا ليغنم ويطعم «المريض والكبير والضعيف»، كما جاء في سيرته، ويرد على من يفاخره بالصحة والفراهة قائلا: إنه يفرق جسمه في جسوم كثيرة؛ أي: إنه يعطي من طعامه ما يقوت الأجسام، وإن إناءه الواحد آنية للكثيرين ولكن مفاخريه لهم آنية كثيرة كأنها إناء واحد.

وإني امرؤ عافي إنائي شركة

وأنت امرؤ عافي إنائك واحد

أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى

Page inconnue