Langue, Religion et Traditions dans la Vie de l'Indépendance
اللغة والدين والتقاليد في حياة الاستقلال
Genres
إن التعليم عند المستقلين يجب أن يكون باللغة القومية، لغة الآباء والأجداد، ومن العسير أن نجد في الدنيا أمة مستقلة تصطنع في التعليم لغة أجنبية.
أما مصر العزيزة فقد قسمت إلى مناطق؛ منطقة ضعيفة تسود فيه اللغة العربية، وهي المدارس الابتدائية والثانوية، ومنطقة قوية تسود فيها اللغة الفرنسية، وهي كلية الآداب وكلية الحقوق، ومنطقة أقوى تسود فيها اللغة الإنجليزية، وهي كليات الطب والهندسة والعلوم.
ومناصب التعليم في المدارس العالية أكثرها للأجانب، وهي بلية لا تصبر عليها أمة تسمو إلى كرامة الاستقلال.
إن الأمم الحرة لا تعطي مناصب التعليم غير أبنائها، واللغات الأجنبية ذاتها لا يدرسها الأجانب، وإنما يدرسها الوطنيون، ففي فرنسا مثلا أساتذة اللغات الأجنبية كلهم فرنسيون؛ ومن أجل هذا تملك فرنسا طائفة كبيرة من النوابغ في اللغات الأجنبية، أما في مصر، فيندر أن تجد من يتفوق في لغة أجنبية؛ لأننا نتعلم اللغات لغاية محدودة، هي الاستفادة من المؤلفات، ولو كان لنا مستقبل في تعليم اللغات الأجنبية لتبدل الحال غير الحال، وشعر شبابنا بأن لهم مصالح يخلقها التفوق في اللغات، وكان ذلك حجرا في بناء الاستقلال.
لا أريد أن يجرفني الاستطراد، فلأرجع مسرعا إلى ما كنت فيه، وأنا أقرر أن لغة التعليم في كليات الجامعة المصرية يجب أن تكون العربية، وأقول بصراحة: إن اللغة الإنجليزية لم تسد في كليات الطب والهندسة والعلوم لسبب معقول، إنهم يزعمون أن اللغة العربية تعوزها المصطلحات العلمية، وهذا وهم، أو هو عجز يستر بهذا الوهم المصنوع، فالمصطلحات العلمية لم تكن مما تفردت به الإنجليزية أو الفرنسية؛ وإنما هي ألفاظ، نحتت نحتا من اليونانية واللاتينية، وفي مقدورنا أن نأخذها كما أخذوها، بعد أن نصقلها صقل التعريب، فتضاف إلى اللغة القومية.
6
وتعليم العلوم بلغة البلاد يخلق فينا قوى جديدة، ويدفعنا إلى الترجمة والتأليف، ويرفع عنا إصر الكسل المخجل، الذي يتمتع به أساتذة الكليات، وهو كذلك يرفع عنا هذه الوصمة البشعة، وصمة الفقر في المكتبات، ففي الممالك المستقلة، يرى الإنسان في الأحياء الجامعية مكتبة خاصة بالطب، ومكتبة خاصة بالعلوم، ومكتبة خاصة بالفلسفة، ومكتبة خاصة بالطيران ... وهكذا دواليك، أما في مصر، فلا يجرؤ أحد من الناشرين على إنشاء مكتبة خاصة بعلم من العلوم، وإنما تتجمع العلوم والآداب والفنون والحكايات في مكتبة واحدة، تلتقي فيها قصة القط والفأر بكتاب أرسطو في الأخلاق.
إن فقر مصر في الترجمة والتأليف يقع وزره على رجال الجامعة المصرية، فلو سلكوا مسلك الحزم والجد، وتذكروا أنهم يعيشون في بلد كان وطن المعارف والعلوم، لأقبلوا على لغتهم فاصطفوها، وجعلوها لغة التعليم، وأمدوها بكل طارف وتليد، وتسامت همتهم إلى جعلها لغة الشرق، فعاشوا بفضلها سادة أعزاء.
وفي مقدور سعادة مدير الجامعة أن يشير بهذه التجربة في حزم وجد، وما أظنه يخشى الإخفاق؛ لأن اللغة العربية لها ماض مجيد في الحياة العلمية والطبية، ومن السهل رجعها إلى مجدها القديم، ونحن لا تعجزنا الأصول، وإنما تعجزنا الهمم العاتية، التي تخلق الممالك والشعوب، وليس من الكثير أن نشقى عشر سنين في سبيل تجربة شريفة، نحفظ بها ذكرانا نقية بيضاء على وجه التاريخ.
أقدم يا مدير الجامعة المصرية على هذه التجربة، لتحول أساتذة الكليات إلى طلاب جادين، يشعرون بالعزة كلما تذكروا أنهم يحملون الأحجار لوضع أساس الاستقلال.
Page inconnue