Langue, Religion et Traditions dans la Vie de l'Indépendance
اللغة والدين والتقاليد في حياة الاستقلال
Genres
باعتبارها من مقومات الاستقلال
1
الدين واللغة والعادات من الظواهر التي يتصل بعضها ببعض أشد اتصال، ومن المؤكد أن اللغة تخضع في بعض ألوانها للدين والعادات، وقد يكون في صورها القديمة ما يؤثر في الدين والتقاليد، وهذه الظواهر الثلاثة تبدو مختلفة بعض الاختلاف، ولكنها عند التأمل ترجع إلى أصل واحد، هو التعبير عن الخلائق الأدبية؛ فاللغة مظهر من مظاهر الأناقة والدقة في الإفصاح، والدين صورة العقيدة التي يحيا بها الناس، والعادات مظاهر لما تأصل من كريم الشمائل والخلال.
فالإنسان المهذب تقوم حياته الأدبية على لسان فصيح، ودين حق، وعادات كريمة، تصل بينه وبين الأقربين من إخوانه في الوطنية، وقد تسمو فتصل بينه وبين الأبعدين من إخوانه في الإنسانية.
2
ونريد في هذا البحث أن نخص كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة بشيء من البيان، فنقول:
اللغة في ذاتها شخصية استقلالية، فالذي يعبر بلغته يشعر بالقوة، وتنطبع نفسه على حب الكرامة والاستقلال، ويزيد هذا المعنى وضوحا ما نشعر به حين نضطر ونحن في بلادنا إلى التفاهم مع بعض الأجانب بغير العربية، فإننا حين ذاك نشعر بالتخلف، ونوقن بأن سلطاننا في العالم سلطان ضعيف، فقد يجيء الأجنبي إلى مصر، ثم تمضي عليه الشهور والأعوام بدون أن تقهره الظروف على تعلم العربية، ويكون معنى ذلك أن مصر ليست ملكا خالصا للمصريين، فإن الرجل لا يستطيع أن يتخذ باريس أو لندن أو برلين مقاما بدون أن يتعلم الفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية، ولكنه يستطيع أن يتخذ القاهرة مقاما بدون أن يتعلم العربية؛ لأن في القاهرة عصبيات أجنبية لها مدارس ومكاتب وجرائد ومسارح ومنتديات، ويستطيع الفرنسي أو الإنجليزي أن يعيش فيها سنين عددا وهو لا يتكلم غير الفرنسية أو الإنجليزية، وهو يستطيع بقوته الاستقلالية أن يقهر المصريين على مخاطبته بلغته الأصلية، ثم لا يستطيعون هم أن يقهروه على مخاطبتهم باللغة العربية.
أليس هذا من أنصع الدلائل على أن اللغة في ذاتها شخصية استقلالية؟
لقد كنت آسى كلما تذكرت تقصيري في تعلم الإنجليزية، ثم مرت ظروف حمدت فيها ذلك الجهل؛ لأنه على قبحه كان عنوانا على الشخصية الاستقلالية. وتفصيل ذلك أني أقمت عددا من السنين في باريس، وكنت ألقى فيها ناسا من النمسويين والبولونيين والهولنديين والألمان، فكان يتفق أحيانا أن يجري ذكر اللغة الإنجليزية، فكنت أعلن أني أجهلها كل الجهل، فكانوا يقولون: وكيف يصح ذلك ومصر في قبضة الإنجليز؟ فكنت أجيب: إنكم واهمون، إن مصر ليست في قبضة الإنجليز، وإنما هي ملك لأبنائها الصناديد، واللغة الإنجليزية في مصر لغة أجنبية، يرغب فيها من يشاء، وآية ذلك أني أحمل أكبر الألقاب العلمية، بدون أن أتعلم الإنجليزية.
3
Page inconnue