La Langue Arabe Comme Être Vivant
اللغة العربية كائن حي
Genres
ومن أمثلة ما أخذوه عن اللغة المصرية القديمة الهيروغليفية لفظ «قبس» بمعنى الشعلة، فهي في الهيروغليفية «خبس» ومعناها مصباح.
وبعض تلك الاقتباسات أخذها العرب رأسا عن أصحابها والبعض الآخر حملت إليهم على يد الأمم الأخرى، كما نقل لهم اليهود لفظ «نبي» من اللغة المصرية القديمة «الهيروغليفية» وأصل معناه فيها «رئيس العائلة» أو «رب المنزل»، وكما نقل لهم الفرس «الشطرنج» عن اللغة الهندية السنسكريتية فحسبها العرب فارسية، وقالوا إنها تعريب «شتررنك» بالفارسية ومعناها ستة ألوان، ولعلهم يريدون «ششرنك»، والصواب أنها لعبة هندية قديمة كانت تسمى في اللغة السنسكريتية «شتورنكا»، أي الأجزاء الأربعة التي يتألف منها الجند عندهم وهي الأفراس والأفيال والمركبات والمشاة، فأخذها الفرس عنهم نحو القرن السادس للميلاد، ثم أخذها العرب عن الفرس فحسبوها فارسية وتكلفوا في تعليلها كما رأيت.
ولم يقتصر العرب على اقتباس الألفاظ من اللغات الأخرى واستبقائها على حالها، ولكنهم صرفوها وشقوا منها الأفعال ونوعوا معناها على ما اقتضته أحوالهم، فقد شقوا من لفظ النبي «نبأ» و«تنبأ» و«نابأ». وشقوا من «قبس» أفعالا وأسماء عديدة.
ومن هذا القبيل «اللجام» وهو من «لكام» في الفارسية، فشقوا منه أولا «ألجم الدابة» ألبسها اللجام، و«التجمت الدابة» مطاوع «ألجم»، وجمعوا «لجام» على «لجم» و«ألجمة»، ثم استخدموه مجازا فقالوا: «لجمه الماء»، أي بلغ فاه. وقالوا: «لفظ لجامه»، أي انصرف من حاجته مجهودا من الإعياء والعطش. وقولهم «التقي ملجم» أرادوا به أنه مقيد اللسان والكف.
و«المهر» الخاتم في الفارسية، استعاره العرب وبنوا منه فعلا فقالوا: «مهر الكتاب»، أي ختمه بالمهر.
ومن ذلك ما شقوه من لفظ «ديوان» وهي أعجمية فقالوا: «دون»، أي كتب اسمه في الجندية.
وقس على ذلك كثيرا من الألفاظ الدخيلة التي يعتقد العرب أنها عربية، وقد شقوا منها الأفعال والأسماء، مثل: «سراب» وهي تعريب «سيرآب» في الفارسية، أي مملوء ماء. والزمهرير من «زم أريز» بالفارسية، أي ضباب بارد. وجزاف من «كزاف» بالفارسية، أي العبث من الكلام. والضنك من «تنك» في الفارسية ضيق، وقد شقوا منها أفعالا وأسماء ترجع إلى هذا المعنى.
ثم إن أكثر ما أدخله العرب إلى لغتهم من الألفاظ الأجنبية، لم يكن له ما يقوم مقامه في لسانهم. على أن كثيرا منه كانت له عندهم أسماء مشهورة لا يبعد أن يكون بعضها دخيلا أيضا، فغلب استعمال الدخيل الجديد وأهمل القديم. من ذلك أن العرب كانوا يسمون الإبريق «تامورة» والطاجن «مقلى» والهاوون «منحاز» أو «مهراس» والميزاب «مثقب» والسكرجة «الثقوة» والمسك «المشموم» والجاسوس «الناطس» والتوت «الفرصاد» والأترج «المتك» والكوسج «الأثط» والباذنجان «الأنب» والرصاص «الصرفان» والخيار «القتد». فهذه الأسماء وأمثالها أهملها العرب قبل الإسلام بعد أن استبدلوها بأسماء دخيلة، فعلوا ذلك عفوا بلا تواطؤ أو قصد وإنما هو ناموس النمو يقضي عليهم بذلك.
التغيير في الألفاظ
ذكرنا فيما تقدم أمثلة مما دخل اللغة العربية من الألفاظ الأجنبية قبل زمن التاريخ الذي عبرنا عنه بالعصر الجاهلي، ونذكر الآن ما لحق ألفاظها الأصلية من التنوع والتفرع في ذلك العصر، والأدلة على ذلك كثيرة نكتفي منها بالواضح الصريح، فنذكر أولا ما نستدل عليه من مقابلة العربية بأخواتها العبرانية والسريانية، ثم ما تشهد به حال اللغة العربية نفسها. (1) مقابلة العربية بأخواتها
Page inconnue