مناظرة أدبية بين المعلمي والشاعر الأديب علي بن محمد السنوسي - ضمن «آثار المعلمي»
مناظرة أدبية بين المعلمي والشاعر الأديب علي بن محمد السنوسي - ضمن «آثار المعلمي»
Chercheur
أسامة بن مسلم الحازمي
Maison d'édition
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٤ هـ
Genres
الرسالة الحادية عشرة
مناظرة أدبية بين المعلمي والشاعر الأديب
علي بن محمد السنوسي ت (١٣٦٣ هـ)
20 / 283
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم فصلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ..
فإنّه كان حضورُ الحقير حضرةَ مولانا أمير المؤمنين ــ أيّده الله تعالى ــ عَقِب عيد الفطر سنة ١٣٣٧ هـ (^١) مع جماعة فيهم سيدي الفاضل السيد علي بن محمد السنوسي (^٢) فأنشد السيِّدُ عليٌّ قصيدةَ (^٣) تهنئةٍ بالعيد وزنها (فاعلاتن فاعلن فعلن) أربع مرّات، وأصل هذا الوزن من الضرب (^٤)
_________
(^١) في النسخة الأخرى تقديم وتأخير جاء كالآتي: فإنه لما عقب عيد الفطر سنة ١٣٣٧ هـ، كان حضور الحقير مقام مولانا ... إلخ. ومراده بالحقير: نفسه، ومراده بأمير المؤمنين محمد بن علي الإدريسي ت (١٣٤١ هـ) مؤسس دولة الأدارسة في صبيا وعسير.
(^٢) هو علي بن محمد بن يوسف بن أبي بكر السنوسي ولد بمكة سنة (١٣١٥ هـ) ونشأ بها، وصل إلى جيزان عام ١٣٢٨ هـ، ومكث عند الإدريسي وكان واحدًا من رجال دولته، وشاعرًا من شعرائه، توفي عام (١٣٦٣ هـ) ترجم له ولده محمد في مجلة المنهل (ذو الحجة ١٣٨٨ هـ) بمقال عنوانه: والدي السيد علي السنوسي، وانظر كتاب شعراء الجنوب للعقيلي والسنوسي، والأعلام للزركلي (٦/ ٣٠٤) وقد أخطأ في اسمه إذْ جعله (محمد بن علي السنوسي).
(^٣) في النسخة الأخرى: قصيدةً له تهنئةً ... إلخ.
(^٤) الضرب: الجزء الأخير من الشطر الثاني.
20 / 285
الخامس من المديد (^١)، والمديدُ لا يستعمل إلا مجزوءًا (^٢)،
وهذا الضرب كعروضه محذوفٌ مخبون (^٣)، وبيته:
للفتى عَقْلٌ يعيشُ به ... حيثُ تهدي سَاقَه قَدمُهْ (^٤)
وكذا سُمِع عن العرب. فأمَّا تربيعُه كقصيدة السيّد علي فلا أعرفه إلا من استعمال بعض المتأخرين: كالتكريتي (^٥)، والبرعي (^٦) فيُلْحق
_________
(^١) المديد: هو البحر الثاني من بعد الطويل، واختلف في سبب تسميته بالمديد فقيل: لأن أسبابه امتدت في أجزائه السباعية فصار أحدهما في أول الجزء، والآخر في آخره فلما امتدت الأسباب في أجزائه سمي مديدًا، وقيل: لامتداد الوتد المجموع في وسط أجزائه السباعية، وأضرب المديد ستة.
راجع حاشية الدمنهوري على متن الكافي (ص ٦٥) والكافي للشاوي (ص ٦٥).
(^٢) قال أبو العباس القنائي ت (٨٥٨ هـ) في كتابه الكافي (ص ٦٦): "مجزوٌّ وجوبًا" قال الدمنهوري في حاشيته: "أي بالنظر للاستعمال كما علمت فلا يجوز للمولدين استعماله تامًّا، وإنْ ورد عن العرب تمامه فهو نادر لا يقاس عليه".اهـ.
ومعنى المجزوء: ما حذف جزء من صدره، وجزء من عجزه.
(^٣) العروض: الجزء الأخير من الشطر الثاني، والحذفُ: حَذْفُ السبب الأخير، والخبنُ: حذف الثاني الساكن.
(^٤) قائله طرفة بن العبد من قصيدةٍ في ديوانه، والبيت ممَّا استشهد به الإمام ثعلب في أماليه ورواه: حيث يهدي ــ بياء تحتية ــ، وهو من شواهد الرضي وقد شرحه البغدادي في الخزانة فانظره في (٧/ ١٩).
(^٥) هو عبد السلام بن يحيى بن القاسم بن المفرج التكريتي تفقّه على والده وحفظ القرآن، وقرأ الأدب وبرع فيه، وله النظم والنثر والخطب والمكاتبات والمصنفات الأدبية، ولد سنة (٥٧٠ هـ) وتوفي سنة (٦٧٥). انظر: فوات الوفيات لابن شاكر (٢/ ٣٢٥).
(^٦) هو عبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي الهاجري اليمني، الشاعر الصوفي الشهير، كان نحويًا فقيهًا مفتيًا، له ممادح في النبي ﷺ، مات سنة (٨٠٣ هـ).
راجع ذيل البدر الطالع لزبارة (ص ١٢٠)، ومعجم المؤلفين (٥/ ٢٠٢).
20 / 286
بالموشحات (^١)، وهو ممّا يُلْتزم فيه أن تكون الثلاثة الأرباع الأولى على قافية واحدة، وكثيرًا ما يلتزم فيها التجنيس (^٢)، كقول التكريتي:
بَدَرتْ من بَدْر جاريهْ ... ودموع العين جاريَهْ
ثم قالت وهي جاريه
أرْفقي يا هندُ بالرّجل
ثم تُلْتزم قافية الرُّبع الرابع إلى آخر القصيدة.
ولا يَبعد أن يُقاس على ما سُمِعَ من المسمطات (^٣) في غير بحره.
كقول الشاعر:
_________
(^١) التوشيح أو الموشحات: اسمٌ لنوع من الشعر استحدثه الأندلسيون، وهو فن عجيب له أسماط وأغصان وأعاريض مختلفة وأكثر ما ينتهي عندهم إلى سبعة أبيات.
راجع تاج العروس (٢/ ٢٤٦)، وتاريخ الأدب العربي للرافعي (٣/ ١٦٠).
(^٢) التجنيس: هو أن يجانس اللفظُ اللفظَ في الكلام، والمعنى مختلف. قاله الثعالبي في فقه اللغة (٢/ ٦٦٧).
(^٣) الشعر المسمَّط هو ما عرّفه ابن رشيق في العمدة (١/ ٢٨٥) بقوله: "أن يبتدئ الشاعر ببيتٍ مصرّع ثم يأتي بأربعة أقسمةٍ على غير قافيته، ثم يعيد قسمًا واحدًا من جنس ما ابتدأ به هكذا إلى آخر القصيدة". اهـ.
وقال المجد في القاموس: "المسمَّط كمعظم من الشعر أبيات تجمعها قافية واحدة مخالفة لقوافي الأبيات". اهـ.
20 / 287
وشَيْبةٍ كالقَسِمِ ... غيَّر سُودَ اللِّمَم
داويتُها بالكَتَمِ
زُورًا وبُهتانا (^١)
وقولِ امرئ القيس:
خيالٌ هاجَ لي شجنا ... فبتُّ مكابدًا حَزَنا
عميدَ القَلْبِ مُرتَهَنا
بذكر اللَّهوِ والطربِ (^٢)
وقوله:
ألا يا عينُ فابكي ... على فقدي لملكي
وإتلافي لمالي ... بلا حرفٍ وجُهد
تخطيتُ بلادًا ... وضيّعتُ قلابا
وقد كنتُ قديمًا
أخا عزٍّ ومَجْد
_________
(^١) أورد الأبيات الجوهري في الصحاح (٣/ ١٣٤) ولم ينسبها لأحد، وقال ابن بري كما نقله عنه ابن منظور: إنها لبعض المحدثين. انظر لسان العرب (٧/ ٣٢٣).
(^٢) أنشد هذه الأبيات ابن برّي ولم ينسبها لأحد كما في اللسان (٧/ ٣٢٣)، وذكر بعدها ستة أبيات، وانظر أيضًا العمدة لابن رشيق (١/ ٢٨٦). وأمَّا نسبتها لامرئ القيس كما ذُكر ــ بحسب ما هو مطبوع ــ فليس الأمر كذلك.
20 / 288
وقوله مسمَّطًا مُخمَّسًا:
ومُسْتَلْئِمٍ كشَّفْتُ بالرمح ذَيلَه ... أقمتُ بعَضْبٍ ذي سفاسق مَيْلَه
فجعْتُ به من ملتقى الحيِّ خَيْلَه ... تركتُ عتاقَ الطير تَحجُلُ حولَه
كأنَّ على سِرْباله نَضْحَ جريالِ (^١)
وقوله الآخر:
إنَّ المرءَ في أكثر الأحوال مرتاعْ
ليتَ المرء لم يدخل الدنيا فما ارتاعْ
إنَّ العيشَ عيشُ الصِّبا إذْ ليس عَقْلُ
يَنْهى المرءَ عمَّا إليه المرءُ نزَّاعْ
نَعم قد سُمع المديدُ تامًّا شذوذًا، قال الدماميني (^٢) في شرح الخزرجية (^٣): أنشد ابن زيدان:
_________
(^١) نسب هذه الأبيات لامرئ القيس الجوهري في صحاحه (٣/ ١١٣٤) والأزهري في تهذيبه نقلًا عن الليث كما في (١٢/ ٣٤٨)، وقد أنكر الصاغاني كونها لامرئ القيس في كتابه التكملة (٤/ ١٣٨). وانظر تاج العروس (٥/ ١٦١).
(^٢) محمد بن أبي بكر بن عمر بدر الدين الدماميني المالكي ولد سنة (٧٦٣ هـ) بالإسكندرية أديب عالم بالعربية وفنونها فقيه، لازم ابن خلدون، وتصدر لإقراء العربية بالأزهر، توفي بالهند سنة (٨٢٧ هـ) له مصنفات كثيرة منها: شرحه على التسهيل لابن مالك، وشرحه على مغني اللبيب، وشرحه على صحيح البخاري وغيرها.
انظر الضوء اللامع للسخاوي (٧/ ١٨٤).
(^٣) راجع العيون الغامزة على خبايا الرامزة للدماميني (ص ١٥٠)، وكلامه ينتهي عند قوله: (كل عزٍّ في الهوى أنت منه في غرر).
20 / 289
ليس من يشكو إلى أهله طول الكرى ... مثل من يشكو إلى أهله طول السهر
سحَّ لما نَفد الصبر منه أدمعًا ... كجُمانٍ خانه سِلْكُ عِقْدٍ فانتشرْ
لا تَلُمْهُ إنْ شكى ما يلاقي أو بكى ... وامتحِنْ باطنَه بالذي مِنْهُ ظَهَرْ
وقبلها:
إنَّه لو ذاق للحبِّ طعمًا ما هَجَرْ ... كل عِزٍّ في الهوى أنت منه في غَررْ
وقول السلكة ترثي ولدها ــ والظاهر أنها من مشطوره (^١) ــ:
طاف يبغي نجوةً ... من هلاكٍ فَهَلكْ
ليتَ شعري ضلةً ... أيُّ شيءٍ قتلكْ
أمريضٌ لم تُعَدْ ... أمْ عدوٌ خَتَلكْ
أمْ تولَّى بك ما ... غَال في الدهر السُّلَكْ
والمنايا رَصَدٌ ... للفتى حيث سَلَكْ
أيُّ شيءٍ حسنٍ ... لفتىً لم يكُ لَكْ
كلُّ شيءٍ قاتلٌ ... حينَ تلْقى أجَلكْ
_________
(^١) قال التبريزي في شرح الحماسة (٢/ ١٩١) بعد ذكر الأبيات: "من مشطور المديد، والقافية متراكب قال أبو العلاء: هذا الوزن لم يذكره الخليل ولا سعيد بن مسعدة، وذكره الزجاج، وجعله سابعًا للرمل، وقد يحتمل أن يكون مشطورًا للمديد". اهـ. والأبيات اختلف في قائلها فنسبت للسلكة، ولأمِّ تأبط شرًا، ولامرأةٍ من العرب، وقيل لأخت تأبطَ شرًا، وقيل: هذا شعر قديم لا يعرف قائله.
راجع شرح حماسة أبي تمام للأعلم الشنتمري (١/ ٥٣٦).
20 / 290
طال ما قد نلتَ في ... غيرِ كدٍّ أمَلَكْ
إنَّ أمْرًا فادحًا ... عن جوابي شَغَلكْ
سأُعزِّي النفس إذْ ... لم تُجِبْ مَن سَأَلكْ
ليتَ نفسي قُدِّمتْ ... للمنايا بَدَلكْ
ولْنرْجع إلى المقصود فنقول: وجعل السيّدُ عليٌّ قافيةَ الشطر الرابع لفظةً ملتزمة إلى آخر القصيدة: "يا ابنَ علي"، وربّما قال: "ابن عليّ"، وربَّما أبدل: "ابن" ملتزمًا لفظ: "علي" وليس ذلك من ضيق العطن، ولكنّه يَحسِبُ أنَّ ذلك حَسَن.
ثمَّ تعرَّض فيها للشكوى حيث يذكر أنَّ كثيرًا من أهل البلد أضرَّ بهم الجوعُ، وهذا عَجَبٌ منه! فإنَّ فَضْلَ مولانا قد غَمَر الداني والقاصي، وأرضى المطيع والعاصي وكانت الشكوى في بضعة أبيات فتخطاها لمَّا تنبَّه لخطاها، فلمَّا وصل إلى الدعاء كان منه ــ وأستغفر الله من حكايته ــ لفظ: "لا عداك السوءُ".
فقلتُ حينئذٍ: (لا) زائدةٌ.
فالْتَفَتَ إليَّ مغاضبًا!
وقال: بل نافيةٌ.
فقلتُ: زائدة.
فقال مولانا: إنَّها لدعوةٌ قبيحةٌ، ولكنَّ النية صالحة أو كما قال.
فقال المنشِدُ: "لا عَدتكَ"، معناها: لا أصابتْك.
20 / 291
وأنشد بيت البردة:
عدتكَ حاليَ .... (^١)
فقلتُ: معناه: أخطأتْكَ، وبعُدتْ عنك.
فقال: كلّا.
فإشفاقًا للمِراء بذلك المقام قلتُ: هذا المعروف المتبادر إلى الذهن.
فقال مولانا ــ أيَّده الله ــ: بل هو الحقُّ، وادّعاءُ غيره غلط، ووضَّح
ــ أيَّده الله ــ معنى البيت بلفظه، ثم أتمَّ المنشِدُ قصيدتَه.
وكنتُ قد قدّمتُ تهنئتي لمولانا ــ أيَّده الله ــ قبل ذلك، وكان ذلك المجلس أهلًا لأنْ تنشد فيه قصيدة. فقلتُ في نَفْسي ــ أوَّلًاـ: قد كفينا (^٢).
فلمّا رأيتُ قصيدته وأثرها حاولتُ ارتجال أبيات مناسبة، فلم يَتَيسَّر إلا ثلاثة أبيات ــ ستأتي ــ فاستأذنتُ مولانا بقولي: ثلاثة أبيات حضرتْ.
فقال: فرَّطْتَ كما أفرطَ السيد علي؛ لأنَّ قصيدته زهاء الستين بيتًا، والبيتُ عبارة عن أربعة أشطر.
فقلتُ في نفسي: حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، وربَّ ليلةٍ خير من
_________
(^١) المراد بالبردة قصيدة البوصيري الميمية المعروفة، وهذا البيتُ منها وتمامه:
عدتك حاليَ لا سرّي بمستتر ... عن الوشاةِ ولا دائي بمُنْحَسِمِ
(^٢) جعلها د/ أبو داهش أسلوب استفهام هكذا: أَوَلا قد كُفينا؟ والذي يظهر أنها خبرية و(أوّلًا) بمعنى الأوليّة منصوب، والدليل على هذا ما جاء في السياق نفسه: فقلت في نفسي: حسبك من القلادة ... إلخ.
20 / 292
ألف شهر. ثم أنشدتُها، فحسب السيد علي أنّي أردتُ مباهاتَه والتشنيعَ عليه فخرجَ يراجعني في دعوته يُصوِّبُها.
فقلتُ له: آنفُ لِمثْلكَ أنْ تحاول تصويب مثل هذا، وإنَّما الإنسان محل النسيان، كان حَقُّكَ أن تقول: طغى الفكر والقلمُ، وتَعَضَّ على مسامحتك لنفسكَ بنانَ الندم.
فأصرَّ على مُدَّعاه، تارةً يقول: من العَدْوِ، وتارةً: من العدْي، وتارة: من العَدْوى.
فكتبت له اليوم الثاني كتابًا مضمونه:
"عبارة مختار الصحاح: عداه يعدوه عَدْوًا: جاوزه".
وأمَّا العَدْوُ بمعنى الجَرْي فهو لازمٌ، وليس هذا مَوْضعَهُ.
فإذا قلتَ: عداك السوء فالمعنى: جاوزك السوء أي: لا أصابك ــ كما قالوا ــ: عداك الذمُّ أي: جاوزك: أي لا ذمَّ عليك، وقالوا: عدا فلانٌ طوره أي: جاوزه. وإذا قلتَ: لا عداك السوء فالمعنى: لا جاوزك، وهو أبلغُ من قولك: أصابك كما لا يخفى (^١).
وأمَّا العدوى فالفعل منها: أعْدى يُعْدي ــ كما في كتب اللغة ــ وليس هذا موضعها مع أنَّها من المجاوزة أيضًا أي أنَّ الداءَ جاوز صاحبه إلى غيره فافهمْ".
_________
(^١) في المطبوعة كما يخفى.
20 / 293
فأجابَ بما لفظه: "عداه يعدوه عَدْوًا أي: جَرْيًا وهو شدَّةُ السعي بقوةِ الإنسانية، وأمَّا لا عداه السوء أي: لا أصابه من باب العدي لا من باب العدو، تقول: أعدى فلانٌ فلانًا أي: ... كذا يعديه وأيضًا عداه السوء بمعنى: أصابه ومفهومٌ أنَّ العدوى من باب أفنى يقال: أفنى الناسَ الجوعُ أي: أصابهم وأهلكهم، ومنه أفناهم الوباءُ أو الموتُ أي: أصابهم وأمحقهم، فلتحرر غير ما بدا لك حتى ترشدني إلى الصواب".
فأجبتُ عليه بما مضمونه: "أمَّا عدا بمعنى جرى فهو لازم بنصوص كتب اللغة، ولا يختصُّ بالإنسان؛ فيقال: بقوة الإنسانية، وأمَّا العَدْي ــ بوزن الرَّمْي ــ فلم يُسمع، وليس منه ــ كما توهَّمت ــ: أعدى يُعدي، بل هي مِن العدو، وأصلها: أعْدَوَ يُعْدِوُ قُلبت في الأول ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقلبت الواو في الثاني ياءً لتطرُّفِها وانكسار ما قبلها.
وأمَّا عداه السوءُ بمعنى أصابه فغير مسموع، وقولك: العدوى من باب أفنى إنْ أردتَ أنْ يقال: أعدى يُعدي ــ كما يقال ــ: أفنى يُفْني، فأيُّ غرضٍ فيه؟ مع أن فَنِيَ يائيٌّ، وعدا واويٌّ، لا كما توهَّمتَ.
وإن أردتَ أنَّ المعنى واحدٌ فممنوع، ومَنْعُه واضحٌ، ولا غرضَ في تفسير أفنى، وزيادة الهمزة في (مَحَق) سَهْوٌ (^١).
وقولك: "فلتحرر غير ما بدا لك" سَهْوٌ أيضًا؛ فإنَّ ما بدا لك بمعنى ما ظهر لك، أو بمعنى ما نشأ لك من الرأي، أو بمعنى ما أردتَ، ولو حررتُ
_________
(^١) قال السرقسطي في كتاب الأفعال (٤/ ١٤٠): "ومحقت الشيءَ، وأمحقه: أذهبتُه، وأبى الأصمعيُّ إلا محقه". اهـ. وقال الفيروزآبادي في القاموس: كأمحقه في لغيّةٍ قال الزبيدي: رديئة.
20 / 294
غير ذلك لكنتُ كاذبًا مخادعًا، بل معناها: فلتحرر غير ما بدا لك تحريرُه، أي: غير ما أردتَ تحريره، وهذه العبارةُ كما تراها، والأولى أن نحملها على زيادة "غير" كما حملنا: لا عداك على زيادة "لا".
وقولك: "أفنى الناسَ الجوعُ" كان الأولى أن تجعل بدله: أفنى الناسَ الجهلُ، وكفرانُ النعم؛ فإنَّ الناس لم يشموا رائحة الجوع، فضلًا عن أنْ يفنيَهم، فإنهم بنعمة الله تعالى في ظلِّ كرمِ عبده مولانا أمير المؤمنين الذي غمر القريب والبعيد.
فأجابَ بجواب آخر أشدّ تخبُّطًا؛ فحبًّا للحقِّ راجعته كرَّةً أخرى، فذهب إلى بعض الفضلاء مُسْتنصرًا، وكان الأولى أن يذهب مُسْتبصرًا، فلعله صادفَ ما قال المتنبي:
إنَّما تنجَح المقالةُ في المرْ ... ء إذا صَادفتْ هوىً في الفؤادِ (^١)
فأوحى إليه جوابًا هذا رَسْمُه:
"قال الشاعر:
وقلْ لمن يدَّعي في العلم توسعةً ... علمت شيئًا وغابت عنك أشياءُ (^٢)
_________
(^١) انظر ديوان المتنبي بالشرح المنسوب للعكبري (٢/ ٣١).
(^٢) البيت لأبي نواس من قصيدة مطلعها:
دع عنك لومي فإنَّ اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء
ورواية البيت في الديوان (ص ٧):
فقل لمن يدّعي في العلم فلسفة ... حفظت شيئًا وغابت عنك أشياءُ
20 / 295
عجبتُ من قائلٍ يدَّعي الكمال في علمه! "لا عداك السوء بمعنى: لا أصابك، فلم تنطق به العربُ" وكيف لا؟ وقد تكلَّم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ كرم الله وجهه ــ في خطبةٍ خطبها وهي هذه: "عبادَ الله أين الذين عُمِّروا فنَعِمُوا، وعُلِّموا ففَهِمُوا، وأُنْظِروا فَلَهُوا، وسَلِمُوا فَنسُوا، أُمْهِلوا طويلًا، ومُنِحُوا جميلًا؛ فعداهم الموتُ غِرًّا، واستاق عائلهم مرًا؛ فكانت عبرةً لمن خَلَف، وعِظَةً لمن سَلَف ... إلخ" (^١).
قال الشريف الرضي (^٢): قوله فعداهم الموتُ أي: هَجَم عليهم وأفناهم، وبابُه: (جفا يجفو)، وقوله: غِرًّا أي: على حين غفلة.
وقال الإمام علي بن أبي طالب ــ كرم الله وجهه ــ في محلٍّ آخر يمدح الأنصار والمهاجرين: "ولا تعدو على عزيمةِ جِدِّهم بلادة الغفلات، ولا تنتضل في هِمَمهم خَدائع الشهوات فاتخذوا ذا العرش ذخيرةً ليومِ فاقَتِهم، ويمَّموه عند انقطاعهم ... إلخ" (^٣).
قال الشريف الرضي: قوله: "ولا تعدو على عزيمةِ جِدِّهم بلادةُ الغفلات: أي: لا تصيبها، ولا تصحبها لعلوِّ شأنهم، وكثرة هِمَمهم العالية .. مع كلامٍ ذكره في نهج البلاغة.
_________
(^١) نهج البلاغة بشرح محمد عبده (١/ ١٤٥).
(^٢) أبو الحسن محمد بن الطاهر الحسيني الموسوي البغدادي الشاعر، صاحب الديوان، له نظم في الذروة حتى قيل: إنه أشعر الطالبيين، مات سنة (٤٠٦ هـ) وقيل غير ذلك.
راجع سير أعلام النبلاء (١٧/ ٢٨٥)، ووفيات الأعيان (٤/ ٤١٤).
(^٣) نهج البلاغة (١/ ١٧١)، وما ساقه من كلام الرضي لا وجود له في النهج.
20 / 296
وقال الإمام أيضًا في محل آخر للزبير حين نقض بيعته وخرج عليه بالعراق وجمع لقتاله: "تعرفني في الحجاز، وتنكرني في العراق، فما عدا ممَّا بدا" (^١).
قال الشريف الرضي: إنَّه أول ما سمعت منه هذه الكلمة، أعني: فما عدا ممَّا بدا ... " كلامُه.
وقوله: إنْ أخطأ الإمامُ فالحقير أقربُ إلى الخطأ فأنتم راجعوه، وبيّنوا له الصواب على غايةٍ من التعصّب بالدين، وعدم الرجوع إلى الحقِّ وإن ثبت دليلُه فهو مندرجٌ تحت قول العارفين: "قرأت العلم لغير الله فأبى العلم إلا لله" (^٢).
وقوله في إنشاده الذي قصد به الإعجاز والمبادرة لمن ليس في شيءٍ من شأنه:
دعني من الغِيدِ ما للصّيد والغيدِ ... وقُمْ نهنّي إمام الحقِّ بالعيد
ليس على غاية من المدح بل فرَّط فيه، وقصَّر من حيث إنَّه ما مِن أحدٍ من الناس إلا ويُهَنَّأُ بالعيد حتّى العبد المملوك، ولا فَضْلَ يُرى للممدوح بذلك، بل المدحُ العالي أن يُهَنَّأَ العيدُ بإمام الحقِّ ــ الذي هو زينةُ الوجود
_________
(^١) نهج البلاغة (١/ ٧٦)، وكلام الرضي في (ص ٧٧) من الجزء نفسه.
(^٢) ذكره ابن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم عن بعض السلف بلفظ: "طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله" انظر (ص ٨٦) وسينبه المعلمي على لفظه.
20 / 297
وحُلَّة الشهود (^١)، ولا خفاءَ أنَّ العيدَ زينةُ يوم واحدٍ في السنة ــ هذا هو الحقُّ الذي لا محيص عنه، والله يقول الحقَّ، وهو يهدي السبيل، نعوذ بالله من الرياء والسمعة، وحُبِّ الجاه، وطلب الرفعة عند المخلوق دون الخالق، اللهمَّ أرنا الحقَّ حقًّا فارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا فارزقنا اجتنابه، وأنت على كلِّ شيءٍ قدير، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".
فأجبتُ عليه بما مضمونه: "الحمد لله الواحد الأحد، وأصلّي وأسلم على رسوله محمد أمَّا بعد ...
فإنَّ الحقير لا يدَّعي التوسعة في العلم، ولا يدَّعي علم جميع الأشياء، فإنَّما ذلك اللهُ ﷾، ولكنْ رُبَّ مخلوقٍ لا يعلم شيئًا ولا أشياء، وإني لجاهلٌ ولكنْ جهلًا بسيطًا، ورُبَّ جاهلٍ جهلًا مركبًا يسمع الحقَّ من فَمِ مَن لا يشكُّ أنَّه إمام نقَّاد من أهل النظر والاجتهاد فيصرُّ على العناد، فتلك مِنْ مِثْلي ومِثْلِكَ هي الجهلُ الأكبر، والذنب الذي لا يُغفر، والأولى أن يُنْشد (^٢) ههنا قول القائل ــ وهو حسَّان ــ:
وإنَّما الشِّعْرُ عِرْض المرء يعرضه ... على الأنام فإنْ كَيْسًا وإنْ حَمَقا
وإنَّ أبلغَ بيتٍ أنتَ قائلُه ... بيتٌ يقال إذا أنشدته صَدَقَا (^٣)
_________
(^١) كلام المعترض هذا فيه غلو مذموم.
(^٢) في المطبوعة: (ينقد) والذي يظهر ما أثبتُه.
(^٣) البيتان في الديوان، ط دار المعارف تحقيق محمد حنفي حسنين، برواية الأثرم وابن حبيب وهما كالتالي:
إنَّما الشعر لُبُّ المرء يعرضه ... على المجالس إنْ كيسًا وإن حمقا
وإن أشعر بيتٍ أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا
راجع الديوان (ص ٢٧٧).
20 / 298
وقول الراجز ــ وهو الحطيئة:
الشعر صَعْبٌ وطويلٌ سلَّمُهْ ... إذا ارتقى فيه الذي لا يَعْلمهْ
زلَّتْ به إلى الحضيض قَدَمُه ... يُريد أنْ يُعْربَه فيعجمهْ (^١)
أما خُطبُ مولانا أمير المؤمنين عليّ ــ ﵇ ــ فقوله: "فعداهم الموتُ غرا" وأصلُه: عدا عليهم أي: وثب عليهم، والأصل تعديتها بـ على ــ كما في كتب اللغة ــ وإذا صحَّت نسبتها إلى أمير المؤمنين فلها سرٌّ جديرٌ أنْ لا يبلغَه فَهْمُ المستشهِد، وهو أنَّه ضمَّنَ (عدا) معنى أفنى فعدَّاها بنفسها ــ كما تُعدَّى أفنى وإليه أشار الرّضيُّ بقوله: "هجم عليهم وأفناهم" فقوله: "هجم عليهم ... " تفسيرٌ لأصل المعنى الذي عبَّر عنه في القاموس بـ (وثَب) (^٢)، وقوله: "أفناهم" إشارة إلى اللفظ الذي ضُمِّنَتْ معناه بدليل تعدية الفعل بنفسه، والتضمين من أسرار العربية (^٣).
وإليك عبارةَ ابن هشام في مغني اللبيب: "القاعدة الثالثة: قد يُشْرِبُون لفظًا معنى لفظٍ فيعطونه حكمه ويُسمَّى ذلك تضمينًا، وفائدة ذلك: أنْ تؤدّي
_________
(^١) الأبيات تنسب للحطيئة، انظر العمدة لابن رشيق (١/ ١٨٥).
(^٢) راجع القاموس المحيط ماة (عدا).
(^٣) انظر الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي (١/ ٢١٩).
20 / 299
كلمةٌ مؤدَّى كلمتين، قال الزمخشري: ألا ترى كيف رجع معنى: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ...﴾ [الكهف: ٢٨] إلى قولك: ولا تقتحم عيناك مجاوزتيْن (^١) إلى غيرهم، ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ...﴾ [النساء: ٢] أي: ولا تضموها إليها آكلين" (^٢). انتهى.
يقول كاتبُه (^٣): لو قال في: "ولا تعدو عيناك عنهم ... " ضُمِّنَ (تعدو) معنى (تنبو) لكان أوضحَ من (تقتحمُ)، و(ينصرفُ) المذكورُ في الجلالين (^٤)، قال ذو الرمة (^٥):
نبت عيناك عن طَلَلٍ بحُزوى ... عَفَتْه الرّيحُ وامتنح القطارا (^٦)
قال ابن هشام: "ومِن مُثُلِ ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] ضمن الرفث معنى الإفضاء فعُدّي بـ (إلى) مثل: ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢١]، وإنَّما أصلُ الرفث أن يتعدَّى بالباء، يقال:
_________
(^١) في المطبوعة: مجاوزين، والتصويب من المغني.
(^٢) انظر مغني اللبيب، ط الأفغاني (٢/ ٨٩٧).
(^٣) أي: المعلميُّ نفسه.
(^٤) راجع تفسير الجلالين فقد فسَّر الفعل (تعدو) بـ (تنصرف) كما في: (٢/ ٥).
(^٥) غيلان بن عقبة، ويكنى أبا الحارث أحد عشاق العرب المعروفين ويلقب بذي الرمة: وهو الحبل البالي. انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة (١/ ٥٢٤)، والخزانة للبغدادي (١/ ١٠٦).
(^٦) البيت مطلع قصيدة موجودة بالديوان (٢/ ١٣٧١) بشرح الإمام أبي نصر الباهلي، تحقيق عبد القدوس أبو صالح.
20 / 300
أرفثَ فلانٌ بامرأته.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ [آل عمران: ١١٥] (^١)، أي: فلن يُحْرَمُوه، أي: فلن يحرموا ثوابه؛ ولهذا عُدّي إلى اثنين لا إلى واحدٍ، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٥]، أي: لا تَنْووا؛ ولهذا عُدّي بنَفْسه لابـ (على) وقوله تعالى: ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ [الصافات: ٨]، أي: لا يُصغون، وقولهم: سَمِعَ الله لمن حمده أي: استجاب؛ فعدِّي (يسمع) في الأول بـ (إلى) وفي الثاني باللام، وإنّما أصله أن يتعدَّى بنَفْسه مثل: ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ﴾ [ق: ٤٢]، وقوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٢٦]، أي: يمتنعون من وطءِ نسائهم بالحلف؛ فلهذا عُدّي بـ (مِنْ)، ولمَّا خَفِي التضمين على بعضهم في الآية، ورأى أنه لا يقال: حَلَف من كذا، بل حَلَف عليه قال: " (مِنْ) متعلقةٌ بمعنى (للذين) ــ كما تقول: لي منك مبرَّة، قال: وأمَّا قول الفقهاء: آلى من امرأته فغلَطٌ أوقعهم فيه عَدمُ فَهْم المتعلق في الآية.
_________
(^١) علّق د/ أبو داهش على هذه الآية ــ كما في حاشيتيْ (١٠٠) و(١٠١) بقوله: في الأصل: "تفعلوا" والصواب ما أثبت، في الأصل: "تكفروه" والصواب ما أثبت أهـ.
والصواب أن كلا الوجهين صواب وذلك أنهما قراءتان سبعيتان فقرأ بالياء التحتية حمزة والكسائي وحفص، وقرأ بالتاء الفوقية نافع وابن كثير وابن عامر وشعبة.
انظر حجة القراءات لابن زنجلة (ص ١٧٠)، وشرح الهداية للمهدوي (١/ ٢٣٠).
20 / 301
قال أبو كبير الهذلي (^١):
حَمَلتْ به في ليلةٍ مزءودةٍ ... كَرْهًا وعقد نطاقها لم يُحْلَل
وقال قبله:
ممَّا حملْنَ به وهُنَّ عواقدٌ ... حُبُك النطاق فشبَّ غير مُهبَّلِ (^٢)
مزءودةٍ أي: مذعورةٍ ويروى بالجرِّ صفة لليلة مثل: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر: ٤]، وبالنصب حالًا من المرأةِ، وليس بقويٍّ مع أنَّه الحقيقةُ؛ لأن ذكر الليلة حينئذٍ لا كبير فائدة فيه، والشاهد فيهما أنَّه ضمَّن (حَمَل) معنى (عَلِق)، ولولا ذلك لعدّي بنفسه مثل: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف: ١٥].
وقال الفرزدق (^٣):
كيف تراني قالبًا مِجَنّي ... قد قَتَل الله زيادًا عنّي (^٤)
_________
(^١) عامر بن الحليس الهذلي أحد بني سهل بن هذيل شاعر فحل، وصحابي على ما ذكره ابن حجر في الإصابة في القسم الأول من الكنى (١١/ ٣١٦).
وانظر خزانة الأدب للبغدادي (٨/ ٢٠٩).
(^٢) البيتان موجودان بديوان الهذليين شرح السكري في قسم التعقيب للمحقق عبد الستار فراج (٣/ ١٠٧٢)، وفي خزانة البغدادي (٨/ ١٩٤)، وانظر شرح الحماسة للمرزوقي (١/ ٨٥).
(^٣) همام بن غالب بن صعصعة المجاشعي التميمي الشاعر المشهور كان المفضل الضبي يفضله على جرير، وقال يونس: لولا الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب. مات سنة (١١٠ هـ). راجع معجم الأدباء لياقوت (٦/ ٢٧٨٥).
(^٤) أورده أبو عبيدة في النقائض (٢/ ٥٨)، وقد شرحه وتكلم عليه البغدادي في شرح أبيات مغني اللبيب (٨/ ٨٦).
20 / 302
أي: صَرَفَه عنّي بالقتل، وهو كثير.
قال أبو الفتح في كتاب التمام: "أحسب لو جُمِعَ ما جاء منه لجاء منه كتاب يكون مِئينَ أوراقًا ... " (^١) اهـ.
وقد استوفيت القاعدة إيثارًا للفائدة، والتضمين سماعيٌّ على الصحيح فلا يقاس عليه (^٢).
ولا يكفي في السماع كلمةٌ واحدةٌ مُتَكلَّمٌ في نسبتها (^٣)، ولو فرضنا
_________
(^١) كلام أبي الفتح عثمان ابن جني ت (٣٩٢ هـ) قد كرره في أكثر من موطن في كتبه ففي الخصائص تعرّض لهذا كما في (٢/ ٣٠٩)، وفي المحتسب (١/ ٥٢)، وكذا في إعراب الحماسة كما أفاده البغدادي.
(^٢) قال ابن هشام في تذكرته: "والحقُّ أنَّ التضمين لا ينقاس".
نقله السيوطي في الأشباه (١/ ٢٢٥)، وقال الأزهري في التوضيح (١/ ٣٤٦): "واختلف في التضمين أهو قياسيٌّ أم سماعي، والأكثرون على أنه قياسي، وضابطه أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنىً عام. قاله المرادي في تلخيصه". اهـ. واختار يس في حاشيته على التوضيح (٢/ ٤) كونه سماعيًا.
(^٣) يشير المعلمي إلى مسألة صحة نسبة كتاب نهج البلاغة لعلي بن أبي طالب ــ ﵁ ــ وقد سبق أنْ قال: "وإذا صحت نسبتها إلى أمير المؤمنين" وقد بيَّن العلماء قديمًا أنَّ الكلام الموجود في نهج البلاغة موضوع على علي بن أبي طالب ــ ﵁ ــ قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (١٧/ ٥٨٨) في ترجمة المرتضى ــ أخي الرضي ــ: "قلت: هو جامع كتاب نهج البلاغة المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي ــ ﵁ ــ ولا أسانيد لذلك، وبعضها باطلٌ وفيه حق، ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها، ولكن أين المنصف؟ وقيل: بل جمع أخيه الرضي" اهـ.
20 / 303