فرأوا أنّ الصوت الذي يؤدّي معنى الصوت (^١) ويمثِّل الإشارة، هو المَدَّة، والذي يؤدي معنى الإشارة إلى النفس هو النون كما مرّ، فقالوا: «ءان»، ثم تصرّفوا في ءان، ومن جملة تصرّفهم فيه (^٢): قلبُهم لبعضه ليدلّ على تغيير في معناه، فقالوا: «أنَى» لساعةٍ غير معيَّنة.
ثم تصرفوا في هذه أيضًا، فقالوا: أنَى الشيءُ يأني، أي: حضر إناهُ، أي وقته. ومن ذلك: «أنَى الطعام» أي بلغ وقته، أي المطلوب منه، وهو النضج.
ثم قالوا للوعاء: «إناء»؛ لأن الطعام إذا بلغ إناه جُعِل فيه.
وقال تعالى: ﴿حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٤] أي بلغ وقته المطلوب منه، وهو شدة الحرارة.
وقالوا: «أنيت الشيءَ» أي أخَّرته إلى إناه، أي إلى وقته المناسب، ومنه «الأناة» و«التأنِّي»، [و] هو تأخير الشيء إلى إناه، أي إلى وقته المناسب.
ومن هنا كان التأني ممدوحًا مطلقًا. ولو كان معناه: تأخير الشيء عن إناه، أي عن وقته، كما زعم الراغب (^٣) = لكان مذمومًا أو على الأقلّ لا يدلّ على مدح ولا ذمّ. وقد قال النبي ﵌ لأشج عبد القيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة» (^٤).