Letters of Sunna and Shia by Rashid Rida
رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا
Maison d'édition
دار المنار
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٣٦٦ هـ - ١٩٤٧ م
Lieu d'édition
القاهرة
Genres
وإنما قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله: إنه كان يحب الرياسة، وأن عثمان كان يحب المال، ولقوله في أبي بكر أسلم شيخًا لا يدري ما يقول، وعلي أسلم صبيًّا والصبي لا يصح إسلامه على قول (١)
، وبكلامه في قصة خطبته بنت أبي جهل وما بها من الثناء، وقصة أبي العاص بن الربيع وما يؤخذ من مفهومها فإنه شنع في ذلك فألزموه بالنفاق لقوله ﷺ: (لا يبغضك إلا منافق) . (٢)
ونسبه قوم إلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى؛ فإنه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويطريه (٣) فكان ذلك مؤكدًا لطول سجنه، وكان له وقائع شهيرة وكان إذا حوقق وألزم يقول: لم أرد هذا؛ وإنما أردت كذا، فيذكر احتمالًا بعيدًا» .
قال: (٤) وكان من أذكياء العالم، وله في ذلك أمور عظيمة منها أن محمد بن بكر السكاكيني عمل أبياتًا على لسان ذمي في إنكار القدر أولها:
أيا علماء الدين ذمي دينكم ... تحير دلوه بأعظم حجة
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ... ولم يَرضَه مني فما وجه حيلتي
(١) أما من نسب للشيخ أنه قال في علي ﵁ «كان مخذولًا ... - إلى قوله في أبي بكر: - أسلم شيخًا لا يدري ما يقول» فهي دعاوى لا يلتفت إليها، وأما مسألة إسلام علي ﵁ صبيًا.
فأقول: إنه قد اختلف المؤرخون في أول الناس إسلامًا اختلافًا لا يُمكن الترجيح فيه ترجيحًا تامًا، وسواء أكان إسلام أبي بكر متقدمًا على إسلام علي أو العكس، فإنّ هذا لن يغيّر شيئًا، لكن المشكلة تكمن في أنّ هناك عقولًا جوفاء يستهويها اتهام الآخرين بالنصب أو بالإساءة لأمير المؤمنين علي ﵁ وغير ذلك من التهم، لأنّ المشكلة الحقيقية التي تعتري هذا النوع من النقاش هي أنك تتناقش مع عقول لا تريد أن تفهم، وإنما بُرمجت منذ أمد بعيد على أن ترى الإمام عليًا فوق مستوى البشرية، وأن لا تقبل الحقيقة كما هي ولا ترضخ حتى للتاريخ الذي لا يحابي أحدًا من الناس.
فشيخ الإسلام لم يقل إن إسلام علي لا يصح أو أنه مشكوك فيه، وإنما بين - ردًا على من فاضل بين إسلام علي ﵁ وكونه أسلم صغيرا وبين إسلام أبي بكر ﵁ أن إسلام أبي بكر ﵁ أكمل وأنفع من عدة أوجه، وكان من تلك الأوجه التي يتبين فيها كون إسلام الصديق أكمل: خلاف أهل العلم في صحة إسلام الصغير، فاستدل ابن تيمية بهذا الخلاف على أن إسلام الكبير أقوى وأصح من إسلام الصغير عند أهل العلم، وبالتالي فإن بداية إسلام أبي بكر وعمر تكون أكمل من بداية إسلام علي بن أبي طالب، وإليك عبارته كاملة:
قال ابن المطهر الحلي: «الكافر ظالم لقوله: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ولا شك في أن الثلاثة - يعني أبا بكر وعمر وعثمان - كانوا كفارا يعبدون الأصنام إلى أن ظهر النبي ﷺ)، فقال شيخ الإسلام في الوجه الثالث لنقض قوله: «الثالث: أن يقال قبل أن يبعث الله محمدا ﷺ لم يكن أحد مؤمنا من قريش لا رجل ولا صبي ولا أمرأة ولا الثلاثة ولا علي.
وإذا قيل عن الرجال: إنهم كانوا يعبدون الأصنام. فالصبيان كذلك علي وغيره.
وإن قيل: كفر الصبي ليس مثل كفر البالغ. قيل: ولا إيمان الصبي مثل إيمان البالغ.
فأولئك يثبت لهم حكم الإيمان والكفر وهم بالغون وعلي يثبت له حكم الكفر والإيمان وهو دون البلوغ.
والصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا باتفاق المسلمين وإذا أسلم قبل البلوغ فهل يجري عليه حكم الإسلام قبل البلوغ على قولين للعلماء بخلاف البالغ فإنه يصير مسلما باتفاق المسلمين، فكان إسلام الثلاثة مخرجا لهم من الكفر باتفاق المسلمين، وأما إسلام علي فهل يكون مخرجا له من الكفر؟ على قولين مشهورين، ومذهب الشافعي أن إسلام الصبي غير مخرج له من الكفر» .
وبما أن شيخ الإسلام يذهب إلى صحة إسلام الصبي في ظاهر قوله فالأمر لا يعدو أن يكون مفاضلة بين إسلام البالغ وبين إسلام الصبي، ويقرر - في الجملة - أن إسلام البالغ أفضل من إسلام الصبي، أما إن أراد الشيعي أن يستمر فيطعن في أبي بكر وعمر وعثمان بما لا مطعن فيه وهو إسلامهم بعد البلوغ، لزم أن تُستخدم معه سياسة (قلب الطاولة) وأن يَطعن في علي ﵁ بما لا مطعن فيه - وهو إسلامه صبيًا، وأما غير الشيعة من مبغضي شيخ الإسلام ﵀ فيلزمهم بذلك التشنيع على الشافعي الذي ذهب إلى عدم صحة الإسلام وعدم جريان أحكامه على الصبي كما ألزم الحنفية الشافعية. وانظر: حول مسألة إسلام الصبي حاشية ابن عابدين ٣ / ٣٠٦، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٨٠، وروضة الطالبين ٥ / ٤٢٩، ومغني المحتاج ٤ / ٤٢٤، والمغني لابن قدامة ٨ / ١٣٣ - ١٣٥، تحفة المودود لابن القيم تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه ص ٢٠٦ ط: العلمية.
(٢) إن ما نُسب هنا إلى شيخ الإسلام من سوء الاعتقاد في أكابر الصحابة الكرام لا أصل له، وانظر حول هذه المفتريات ودحضها كتاب: (ابن تيمية لم يكن ناصبيًا) تأليف الشيخ سليمان بن صالح الخراشي.
(٣) لا أدري من أين يستقي قائل هذا الكلام مثل هذه المعلومات المغلوطة؛ فإن ابن تيمية ﵀ لم يذكر ابن تومرت إلا وقرنه بالجهمية والفلاسفة ونحوهم كما في مجموع الفتاوى (٦ / ٥١٨)، (١١ / ٤٧٦)، (١٣ / ٣٨٦)، (١٩ / ١٥٨)، (٣٥ / ١٤٢)، وانظر: مواضع ورود اسم ابن تومرت في كشاف الأسماء في آخر مجلد من كتاب منهاج السنة وكتاب درء التعارض.
(٤) يعني الأقشهري كما هو ظاهر السياق.
1 / 119