Lessons of Sheikh Ibrahim Al-Fares
دروس للشيخ إبراهيم الفارس
Genres
من منهج السلف في تلقي العقيدة اقتصارهم على الكتاب والسنة في التلقي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أيها الأحبة! أيها الإخوة! إن الحديث عن السلف رضي الله تعالى عنهم أجمعين حديث ذو شجون، كلنا يحبه؛ لأننا نقدر هؤلاء السلف الذين حملوا لنا الرسالة من لدن بعثة المصطفى ﷺ إلى زماننا هذا.
والحديث عن السلف يأخذ مناحي متعددة، فهناك حديث عن بطولاتهم، وهناك حديث عن زهدهم وورعهم، وهناك حديث عن عباداتهم، وهناك حديث وهناك حديث.
ومن ضمن هذه الأحاديث حديث عن منهجهم في تلقي العقيدة.
أولًا: لم اخترنا هذا الموضوع؟ هذا الموضوع - كما ستعرفون بعد قليل - علمي يحتاج إلى تركيز ومتابعة، ولعل السبب الذي جعلني أختار هذا الموضوع: هو أن هناك فئات متعددة، وتجمعات كثيرة كل منها يدعي أنه على الحق، ويقول: إنه حامل راية الصدق، لكن هذه الادعاءات المختلفة تحتاج إلى مقياس وميزان ومعيار يستطيع الإنسان بموجبه أن يقيس هذا الكلام هل هو حق أم باطل؟ إذًا: ما الذي يعرفني أن كلام هذه الطائفة صحيح أو تلك الطائفة صحيح أو الثالثة أو الرابعة؟ الذي يعرفني ذلك هو هذا المنهج الذي سنتلقاه بشكل موجز في هذا اللقاء.
ولنعلم أن منهج السلف في تلقي العقيدة منهج مطول وموسع، لكن سأحاول قدر جهدي أن أجعله في نقاط رئيسة، وفي تتابع سهل وميسور؛ حتى يسهل استيعابه، وسترون من خلال هذا الطرح أن هناك جماعات من الطوائف والفرق تخرج من هذا المنهج، وبالتالي لا يبقى لدينا إلا طائفة واحدة فقط، وهي الطائفة التي ذكرها المصطفى ﷺ: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا يضرهم من خذلهم) أي: الطائفة الناجية أو الطائفة المنصورة، وهذه الطائفة هي المتمسكة بمنهج السلف، أما بقية الطوائف فإنها تبتعد أو تقترب من منهج السلف بحسب تمسكها بما جاء عن السلف، فكلما كثر هذا التمسك اقتربت من هذا المنهج، وكلما صار العكس حصل العكس.
إذًا: منهج السلف في تلقي العقيدة هو معيار أو ميزان أو مقياس نستطيع أن نقيس به مناهج الفرق الأخرى، وما أكثر الفرق التي تحيط بنا! وما أكثر الجماعات التي تلتف حولنا! لن أذكر شيئًا منها بالأسماء الآن، وقد يتطرق الحديث عنها بعد حين إن شاء الله.
أولًا: من هم السلف؟ هل هم الذين مضوا وانتهوا أي: عصر الصحابة؟ هل هم الذين ذكرهم الرسول ﷺ في قوله: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) أم أن من سار على منهجهم فهو منهم حتى في العصور المتأخرة؟! التعريف الصحيح: أن من سار على منهج السلف، وطبق طريقتهم، فإنه منهم ولو كان متأخرًا عنهم.
إذًا: سيكون هناك أناس من السلف سيأتون بعدنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أو قبل ذلك؛ لأن القيامة لا تقوم وفي الأرض من يقول: الله الله! ما معنى كلمة منهج؟ كلمة (منهج) قد تكون غريبة، لكنكم تعايشونها دائمًا في مناهج التعليم، كمادة القراءة، ومادة العلوم، المنهج: عبارة عن كتلة أو كيان أو شيء يحتوي على جملة أشياء أو جملة نقاط متكاملة ومتجانسة مع بعضها البعض، ويجمعها عامل واحد، أو يجمعها فقه واحد، أو أسلوب واحد.
فإذا ذكرنا منهج السلف في الزهد فمعنى هذا: أن نتحدث عن كل ما له صلة بالزهد عند هؤلاء السلف، وهكذا في الأمور الأخرى.
دعونا نبدأ في عرض منهج السلف في تلقي العقيدة.
النقطة الأولى في هذه المسألة: اقتصارهم - أي: السلف - على مصدري التلقي: القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فلا يأخذون من العلوم الأخرى، ولا يأخذون من القوانين الأخرى، ولا يأخذون من مناهج الغرب أو الشرق، إنما منهجهم في التلقي هو القرآن، ثم السنة، فإن لم يوجد في القرآن والسنة شيء من ذلك كنوازل العصر الحاضر فإنهم يجتهدون في ذلك، وإذا أجمعوا على هذا الأمر أخذوا به.
والإجماع يكون في أمور الفقه، أما في أمور العقيدة فلا؛ فإن مسألة الإجماع هنا غير واردة، وإنما يقتصرون في تلقي العقيدة على القرآن وعلى ما ورد في السنة فقط، ولا يكاد يوجد إجماع أو كلام حول الإجماع في مسائل العقيدة.
فهذه النقطة ميسورة وسهلة، وربما أقول: هي الأساس الذي بنى عليه السلف منهجهم ولا شيء غيره، وهذه النقطة يتفرع منها عدة نقاط: النقطة الأولى: اقتصارهم على مصدري التلقي القرآن والسنة الصحيحة، وذكرنا الصحيحة هنا لأن هناك بعض الطوائف الذين قد تخرجهم هذه المسألة مباشرة.
فإذا جئنا مثلًا إلى طوائف الصوفية تجد أحدهم يعبد قبرًا أو يطوف به أو يتمسح به تقول له: يا أخي! هذا لا يجوز، هذا حرام، يقول لك: لا، لقد ورد عن الرسول ﷺ الأمر بذلك.
ما هو الدليل؟! قال: يقول الرسول ﵇: (من أحسن ظنه بحجر نفعه ذلك الحجر) نقول: هذا نص حديثي ذكر عن الرسول ﷺ، ونحن في منهجنا أن التلقي في العقيدة يقتصر على القرآن والسنة الصحيحة، فنأتي إلى هذه السنة ونناقشها، وندرسها سندًا ومتنًا، وفي النهاية سنجد أن هذا حديث موضوع.
إذًا: أنتم يا طائفة الصوفية! تخرجون من الحلبة في أول جولة من جولات الصراع إن صح التعبير.
ولو جئنا إلى العقلانيين، وهم الطوائف التي تأخذ بالعقل وتحكم به، أمثال المعتزلة قديمًا، ومن أمثال أهل العقل حديثًا ممن يعيشون بيننا ويتواجدون ربما في بلاد الإسلام بكثرة، ولعل لهم مؤلفات كثيرة، ولهم كتب موجودة ومنتشرة، ويشاركون في المؤتمرات والدراسات والدروس وغيرها، من أمثال فهمي هويدي، ومحمد الغزالي، ومحمد عمارة، وغيرهم يأخذون بمبدأ العقل ويحكمونه، وتجد أنهم يحكمون العقل في مجال العقيدة فعلًا، وبالتالي إذا أردتم معرفة المزيد عن هذه المسألة انظروا إلى الردود الموجودة في الأسواق على كتاب محمد الغزالي: السنة النبوية بين أهل الفقه والحديث، ستجدون أنه أخضع أحاديث العقيدة الصحيحة إلى العقل، فيحكمها عقلًا.
إذًا: هذا المنهج - الاقتصار على التلقي في ما يتعلق بالعقيدة على القرآن والسنة الصحيحة - يخرج هؤلاء العقلانيين.
1 / 2