Dars Al-Haram Al-Madani Lil-Uthaymeen
دروس الحرم المدني للعثيمين
Genres
تفسير قوله تعالى: (والسماء والطارق)
نتكلم الآن بما يسر الله ﷿ من تفسير السورة التي استمعنا إليها في قراءة إمامنا في صلاة المغرب، ألا وهي قول الله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق:١-٤] يقسم الله بالسماء، والسماء هنا يحتمل أن يراد بها كل ما علاك فهو سماء، ويحتمل أن يراد بالسماء: السماوات السبع، فيكون مفردًا أريد به الجنس فيعم كل السماوات، وأيًَّا كان فإن الله تعالى لن يقسم بشيء إلا وهو دليلٌ على آية من آياته ﷿، فهذه السماوات الواسعة الأرجاء، العالية البناء القوية بناها الله ﷿، كما قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات:٤٧]، وقال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ [الشمس:٥] .
وإياك يا أخي! أن تعتقد أن قوله: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ أن الله بنى السماء بيده، كلا.
فقد قال الله ﷿: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت:١١] فالله تعالى خلق السماوات بالكلمة ولا بيده جل وعلا، ولهذا يخطئ من يظن أن قوله: (بأيدٍ) جمع يدٍ، وإنما هي مصدر آد يئيد والمصدر أيد، كباع يبيع والمصدر بيع، ولهذا لم يضفها الله إلى نفسه كما أضافها في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس:٧١] وعلى هذا فلا يجوز أن نعتقد بأن الله خلق السماء بيده أو بأيديه أبدًا، بل أيد مصدر آد يئيد والمصدر أيد، مثل: باع يبيع بيعًا، وكال يكيل كيلًا.
إذًا: هذه السماوات العظيمة جديرة بأن يقسم الله بها حيث قال: (والسماءِ) فالواو هنا حرف قسم، (والطارق) معطوفة على السماء، والمعطوف له حكم المعطوف عليه، وعلى هذا فيكون الله تعالى أقسم على الطارق، وما هو الطارق؟ قال الله ﷿ تفخيمًا له: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ يعني: أي شيء أعلمك عن هذا الطارق الذي كان جديرًا أن يقسم الله به، ففسره الله بقوله:
1 / 3