تفاوت الناس في الإيمان وتفاوت درجاتهم في الجنة
قال الله ﷿: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [الحديد:٢١]، فالدنيا صغيرة ضيقة لا تحتمل أن يكون الجميع فيها ملوكًا ولا رؤساء، ولذا كان التنافس على رئاستها أشقى أنواع التنافس؛ لأن الأرض لا تتسع إلا لعدد محدود من الكبراء والرؤساء والملوك، وأما الجنة فعرضها كعرض السماء والأرض، وأصحابها كلهم ملوك، قال ﷿: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان:٢٠]، وأدنى أهل الجنة منزلة من يسير في ملكه ألفي عام، فهو ملك الله ﷿، وجعل أصحاب الجنة ملوكًا، وجعل لهم ملكًا كبيرًا، فأدناهم منزلة: من له مثل عشرة أضعاف ملك من ملوك الدنيا، بل في الروايات الصحيحة أن له عشرة أضعاف الدنيا بأسرها، وهي لا تتحقق لملك من ملوكها.
فانظر إلى هذا الملك العظيم، فهي جنة ﴿كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [الحديد:٢١]، فتحقيق الإيمان هو الذي يهدف له المؤمن، وهو الذي يسعى له بكل طريق؛ ليكون مؤمنًا حقًا كما وصف الله ﷾: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال:٢ - ٤].
فالله ﷾ جعل من المؤمنين من هو مؤمن حقًا، فدل ذلك على أن هناك من يقول: أنا مؤمن وليس مؤمنًا حقًا كمسلمة الأعراب الذين قال ﷿ فيهم: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات:١٤].
فذلك أن الإيمان قول وعمل، ظاهر وباطن، وليس مجرد كلمة تقال، ولا إعلان يعلن، والالتزام حقيقة في الباطن والظاهر، وفي السلوك والعمل والعقيدة، فلابد أن يكون الإنسان مجتهدًا في تحقيقه من جميع جوانبه؛ ليفوز بهذه الجنة، قال تعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد:٢١]، فاعلموا إذًا أنكم لن تنالوا ذلك إلا بالله ﷿، واعلموا أنكم لن تنالوا هذا الفضل إلا من ذي الفضل العظيم وبمشيئته، فأيقنوا بقدره، وفروا من الله ﷿ إليه، والجأوا إليه ﷾ في أن يفضلكم على من سواكم من الخلق، فإن الله ﷿ جعل اصطفاءه واختياره لأهل الجنة من عباده واحدًا في الألف، كما قال النبي ﷺ في قول الله تعالى لآدم يوم القيامة: (يا آدم أخرج بعثا النار؟ فيقال: من كل كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون)، فحتى تكون أنت الواحد في الألف الذي ينجو إلى الجنة فاعلم أن ذلك لن تناله إلا بتوفيق الله ﷿، فاضرع إليه ﷾ أن يمن عليك بفضله، وأن يرزقك طاعته، وأن يعينك على عبادته، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
5 / 9