Lessons by Sheikh Muhammad Hassan Abd Al-Ghaffar
دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار
Genres
حكم تأمين الكفار
إن الذي يقرر حكم تأمين الكفار هو كتاب الله وسنة النبي ﷺ، ولله در من قال: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه.
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه.
فهل الله جل وعلا يعطي ذلك لولي الأمر ويمنحه هذه؟
الجواب
نعم، وهل الرسول ﷺ يمنح لولي الأمر ذلك؟ الجواب: نعم، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ [التوبة:٦]، والمرد بالمشركين هنا الكفار، فإذا طلب منك الكافر الجوار والأمان ليسمع كلام الله فأجره ليسمع كلام الله، فلعل الإسلام وبشاشة الإيمان تدخل في قلبه قال تعالى: ﴿فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ [التوبة:٦]، فهذا دال على أن الوقت إذا انتهى فلابد أن ننتظر حتى يذهب إلى مأمنه ثم بعد ذلك يأخذ أحكام الكفار.
ومن السنة ما جاء في صحيح مسلم، ومسند أحمد، وسنن ابن ماجة، وسنن أبي داود: أن النبي ﷺ قال: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)، فالذمة هنا الأمان، وقوله (ويسعى بذمتهم) فيها دلالة على العموم.
وفي رواية أخرى قال النبي ﷺ: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بذمتهم أدناهم) يعني: إذا أمن فرد من آحاد المسلمين كافرًا وجب على كل أهل الإسلام أن يأخذوا بهذا الأمان، ولا يخفروا ذمة المسلم، وسنبين العقوبة الشديدة التي بينها النبي ﷺ على من يخفر ذمة المسلم.
وفي رواية في صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال: (ذمة المسلمين واحدة، ومن خفر مسلمًا أو أخفر مسلمًا -يعني: أخفر ذمته- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) فهذا فيه دلالة على أن هذا من الموبقات ومن الكبائر كما سنبين، إذًا فالنبي ﷺ يصرح لنا تصريحًا مرعبًا لمن يتحدى أو يتعدى هذه الحدود ويتجرأ على محارم الله جل في علاه.
ويقول النبي ﷺ: (ذمة المسلمين واحدة) وقد اجتمعت هذه الذمة في ولي الأمر (ومن أخفر مسلمًا -يعني في ذمته- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
وأيضًا في صحيح البخاري: (أن أم هانئ دخلت على النبي ﷺ عندما فتح مكة وقالت: إن علي بن أبي طالب قد زعم أنه سيقتل فلانًا ابن هبيرة -، فقال النبي ﷺ: يا أم هانئ! قد أجرنا من أجرت) فأجاز لها الجوار، وأجاز لها الأمان، واعتبر أمانها وجعله أمانًا على كل المسلمين.
وهذه الأسانيد كما قلت موجودة في السير، والإمام أحمد بن حنبل قد نصب لنا قاعدة مهمة جدًا وهي: إذا جاءت الأحكام شددنا -يعني: شددنا في الأسانيد فنرى هل هذه الأسانيد قاطعة أم لا- وإن كانت في السير أو في التراجم تسامحنا.
ففي السير أن أبا العاص زوج زينب ﵂ وأرضاها جاء في سرية من سرايا أهل الإسلام وقد أخذوا تجارته، فجعلت زينب له الأمان، فالنبي ﷺ وفّى لها أمانها، ورد هذه التجارة لـ أبي العاص.
وسند هذه الرواية فيه ابن لهيعة وابن لهيعة فيه كلام ليس هذا محل التفصيل فيه، لكن هذا يستأنس به مع الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها.
فالنبي ﷺ أجار من أجارته أم هانئ، وكذلك وفّي ذمة زينب ﵂ وأرضاها، وهذا كله من الكتاب والسنة، والعقل أيضًا لا يأبى ذلك بحال من الأحوال بل يقرر ذلك، فالكافر مخلوق كما أنك أنت مخلوق، وآدمي كما أنك أنت آدمي، وله حقوق حتى في القتل، فالنبي ﷺ يبين أن الإسلام له قواعد راسية لابد أن نسير عليها، فقال: (فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)، ولما مر على المرأة في السبي وهي تحضن طفلها قال: (ما كانت هذه لترميه في النا)، فهناك أحكام حتى مع الكفار بالله، فعليك أن تتأسى بصفات الله جل في علاه وتطبق ذلك في أخلاقياتك، فالنبي ﷺ يقول: (ما رأيت أحدًا أصبر على أذى من الله؛ يسبونه وهو يطعمهم ويسقيهم).
فلهم أحكام وهذه الأحكام لا بد أن توفى، ولابد لكل مسلم أن يعلمها وأن يتعامل بها، ولابد أن تحترم، ومنها: أنه لو دخل بأمان وطلب الأمان من المسلمين فعليهم أن يوفوا له بهذا الأمان، لا سيما إذا كان دخوله فيه الغاية العظمى السامية التي يسعى إليها المؤمن وهي قول رسول الله ﷺ: (لئن يهدي الله بك رجلًا خير لك من حمر النعم)، فتبين له حكم الإسلام، وتدعوه بالموعظة الحسنة، فلعله أن يسلم أو ينتفع به أهل الإسلام، أو تنتفع أنت بما عنده من علم وتقدم، فالعقل يقرر هذا ولا يمكن أن يرد ذلك.
إذًا فالكتاب والسنة والعقل يقررون مسألة الأمان وأن الإنسان لابد أن يوفي بهذه الذمة.
3 / 6