Leçons par Cheikh Muhammad Al-Mukhtar Al-Shanqiti
دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي
Genres
العلم سلاح الداعية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد: فالدعوة إلى الله من أحب الأعمال إليه ﷾، ويشهد بذلك قوله ﷿: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:٣٣] (ومن دعا إلى هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيء) ومن حمل هم وأمانة الدعوة إلى الله، وتبليغ رسالة الله إلى عباده؛ فقد حمل أشرف الأشياء وأحبها إلى الله ﷾، بل إنه الشيء الذي خلق الله من أجله خلقه وهو عبادته، ولا عبادة إلا بالعلم، ولا عبادة إلا بالبصيرة: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ [يوسف:١٠٨].
فلا بد للداعية أن يستشعر -أولًا- ما هي الدعوة، وما هي الرسالة التي يحملها والأمانة التي في عنقه لأهلها، فإذا عرف عظم هذه المسئولية علم أنه يتكلم لله وفي الله، وابتغاء ما عند الله ﷾، وأنه يعقد الصفقة فيما بينه وبين الله أن يكون أجره على الله لا على أحد سواه ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ [سبأ:٤٧] وقال عن أنبيائه، نوح وهود وصالح وشعيب ولوط: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء:١٠٩] أجرك على من بيده خزائن السموات والأرض، ويده سحاء في الليل والنهار أجرك على من يكتب لك الكلمة والجملة والحرف، على من يكتب لك الخطوة والتعب والنصب والسهر، ويكتب لك كل صغيرة وكبيرة ﷾، يحصيها لك فيكتب لك أجرها وثوابها، فتوافيه يوم توافيه بمثاقيل الحسنات إن تقبلها منك، وأجرك على من لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وهو الله ﷻ.
على الداعية أن يستشعر أن هذا المقام أحب المقامات إلى الله ﷿، وهو مقام الأنبياء والرسل، فإن (العلماء ورثة الأنبياء)، ولابد على الداعية أن يجتهد في طلب العلم حتى يكون عالمًا، ولا تكون دعوة إلا بعلم، ومن يريد أن ينال فضل الدعوة على أتم وجوهه، وأن يكون في أكمل صوره فليتم العلم وليأخذ وينهل منه، ويحرص على مجالسه، ويكون من أهل تلك الرياض التي تنشر فيها رحمة الله ويبتغى فيها ما عند الله، وعليه أن يصبر ويصابر ويجد ويجتهد فيها، ويحتسب الأجر عند الله ﷾ في جميع ذلك حتى يبلغ من العلم أعلى المراتب، فإذا بلغ ذلك قام بالدعوة على أتم وجوهها وأكملها.
أول ما ينبغي علينا هو طلب العلم، وإذا طلبت العلم فاطلبه بقوة وعزيمة وهمة صادقة، لا يثنيك عنها شيء، لا تثنيك عنها الدنيا وزينتها وغرورها وما فيها من متاعها الزائل وغرورها الحائل، إنما تجد وتجتهد وأنت تعلم أنك أنت الرابح، فلا تقوم بضعف وتظن أن الدنيا ستفوتك، وأن أهل الدنيا يتاجرون ويربحون وأنت لا تربح، لا، بل تطلب العلم وتعلم أنك أربح صفقةً وأكثر ربحًا في تجارتك مع الله ﷾، طلب أقوامٌ العلم فكفاهم الله همَّ الدنيا والآخرة، واقرأ في سير العلماء، فمنهم من كان لا يجد طعمة يومه، وتراه مرقع الثياب، حافي الأقدام، ولكنه أغنى الناس في الله ﷻ، وأسعد الناس وأشرحهم صدرًا، وألينهم جنانًا، وأصدقهم لسانًا، وأوضحهم بيانًا، أغنى الناس بالعلم الذي وضع الله في قلبه وفي لسانه: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة:٢٤] لما صبروا في طلب العلم وتحصيله، لا يشتكي أحدهم من السهر ولا من التعب في طلب العلم، إنما يبحث عن هذا العلم بكل همة وبكل صدق وعزيمة.
فإذا جدَّ طالب العلم في طلبه فعليه أن يعلم أن منزلته عند الله على قدر ما يحصل من العلم، فإن الله يرفع بهذا العلم درجات، وقد تجلس في المجلس الواحد وتدرس فيه مسائل قل من يضبطها ويحصلها، فتكفي الأمة همها، وتسد ثغرها، فيكون أجرك عند الله عظيم، فترفع درجتك على نفاسة هذا العلم، وبقدر ما كان علمك نفيسًا عظيمًا محتاجًا إليه بقدر ما تكون درجتك عند الله أعلى وأسمى.
ويجب أن تعلم أن هذا العلم يحتاج منك إلى الأمانة، فإذا جلست في مجالس العلم ضبطت وتقيدت بما سمعت، فلا تزيد من عندك شيئًا، ولا تحدثن في دين الله برأيك ما لم يكن عندك حجة أو برهان.
احرص في مجالس العلم على أن تسمع وتحفظ ثم بعد ذلك تعمل بضوء ما علمت، وتبلغ ما سمعت، وهذا أكمل ما يكون في العلم، أن يكون قلبك واعيًا بكل ما يقال، وتتقيد بالكلمة لا تزيد ولا تنقص، وإن استطعت ألا تأتي بالمعنى وإنما تأتي باللفظ نفسه فهذا شيء حسن، فإذا بلغت ذلك كملت نضارة وجهك، قال ﷺ: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فحفظها وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع) إذا أردت أن تدعو إلى الله على أكمل المراتب وأفضلها فعليك أن تضبط العلم ضبطًا تامًا.
إذا تعودت على هذا الضبط وضع الله لك القبول، وثق ثقةً تامة أن الله مطلع على سريرتك وعلى ما في قلبك، واعلم أن نظر الله إليك في كل مجلس وفي كل درس، فحاول أن تفهم وتضبط كل كلمة وكل عبارة وكل جملة، فالعلم تسمو به الأرواح والأنفس.
1 / 2