Lessons by Sheikh Abdullah Hammad Al Rassi
دروس للشيخ عبد الله حماد الرسي
Genres
القناعة والرضا بما قسم الله
ثم من السعادة التي تقر بها عين المؤمن: القناعة والرضا بما قسم الله له، فالمؤمن تجده قرير العين، لا يتطلب بقلبه أمرًاَ لم يقدَّر له، بل ينظر إلى من هو دونه ولا ينظر إلى من هو فوقه، آخذًا بتوجيهات رسول الله ﷺ، حيث قال ﷺ في الحديث الصحيح: ﴿انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم﴾ فيا لها من وصية نافعة، ويا لها من آدابٍ حميدة، فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل؛ رآه يفوق خلقًا كثيرًا في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، مهما بلغت به الحال، عند ذلك يزول القلق والهم والغم من قلبه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره.
أيها الإخوة في الله: في ذلك يقول ﷺ: ﴿انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم﴾ فهذا مشاهد وصحيح لو أخذ به كل إنسان ما تحمل الديون، ولا تحمل أكل الربا ومؤاكلة المرابين؛ لأنه إذا رضي بالله ربًا، وقنع بما آتاه الله كما يقول العامة: اجعل لحافك على قدر رجليك، وهذا ناصح يقول:
خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن
لذلك لو نظرنا إلى أحوال رسول الله ﷺ فهو القدوة ﷺ، فرسول الله ﷺ كان يربط على بطنه الحجر من الجوع، ويمضي عليه وعلى أهله ثلاثة أهلة ما أوقد في بيوته نار، وينزل عليه ضيف ولا يجد في بيوته إلا ماءً ﷺ، وقد خيره الله جل وعلا أن يجري له بطحاء مكة ذهبًا فأبى وقال ﷺ: ﴿أشبع يومًا فأشكرك وأجوع يومًا فأذكرك﴾ فصلوات الله وسلامه عليه.
أيها الإخوة في الله: إن كنتم تريدون القدوة الحسنة فهذا رسول الله ﷺ، وهذا هو منهجه باقٍ إلى يوم القيامة، رسول الله ﷺ يرفض الدنيا كارهًا لها، وابتعادًا عن الركون إليها، وقناعة بما آتاه الله؛ لأنه ﷺ حكم بالفلاح والفوز في الدنيا والآخرة للمسلم الذي رزق رزقًا حلالًا بقدر الحاجة وقنع به؛ فقال ﵊: ﴿قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا وقنعه الله بما آتاه﴾.
البعض من الناس لا يعرف هذه القناعة نسأل الله العفو والعافية، حتى إنه ذكر أن رجلًا من الذين يبيعون ويشترون يقول: يا ليت الليل لم يأتِ حتى يبقى في لهوه وغفلته، إنا لله وإنا إليه راجعون!
فالقناعة -أيها الإخوة في الله- كنز لا يفنى، لو قنع كل إنسان بما رزقه الله لارتاح قلبه، ولأقبل على الله ﷾ بقلبه وقالبه، ولكن الآن انظروا كيف نأتي إلى الصلاة وقد تشعبت أفكارنا في أودية الدنيا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا والله ينبئ أننا لم نقنع بالقليل، فنسأل الله أن يرزقنا القناعة إنه على كل شيء قدير.
أيها الإخوة في الله: إن من أعظم أسباب السعادة الإيمان والعمل الصالح قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:٩٧].
إن كان فقيرًا، لكن حصل عنده الإيمان والعمل الصالح، فهو في نعمة وفي راحة بال وهدوء وطمأنينة، لذلك كانت الدنيا لا تزن عند الصحابة ﵃ جناحًا وطلب منهم رسول الله ﷺ أن يجودوا بشيء من أموالهم في غزوة تبوك، فأخذوا يتسابقون ﵃، أما أبو بكر الصديق فقد أتى بجميع ماله ﵁، وقال له رسول الله ﷺ: ﴿ما تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله﴾ وأما عثمان فجاء بألفي ناقة، وأما عمر بن الخطاب فجاء بنصف ماله ﵁، تتابعت التبرعات السنية من أولئك الرجال الذين تسكن في قلوبهم الدنيا، أما نحن إذا طلبت منَّا التبرعات فلا تسأل ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ كأننا نقطع من لحمنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، لذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله كان يطوف بالبيت ويقول: [[اللهم قني شح نفسي، اللهم قني شح نفسي، اللهم قني شح نفسي ويسأله بعض الصحابة: أما تعرف غير هذا الدعاء؟ فيقول إذا وقاني الله شح نفسي فأكون من المفلحين كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:٩]]].
أو كما قال ﵁ وأرضاه.
أيها الإخوة في الله: وعد الله ﷾ من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الحياة الدنيا، وبالجزاء الحسن في دار القرار والنعيم واللذة والبهجة والسرور، فالمؤمن يتلقى المحآبّ والمسارّ بقبولٍ لها وشكرٍ عليها، واستعمالٍ لها فيما ينفع، فإذا استعملها المؤمن على هذا الوجه أحدث له من الابتهاج بها، والطمع في بقائها على هذا الوجه سرورًا؛ لأنه يعلم أنه إذا شكر الله فإن الله ﷾ يزيده كما قال تعالى: ﴿ولَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم:٧].
كذلك المؤمن يتلقى المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنه مقاومته، وتخفيف ما يمكنه تخفيفه، وكذلك الصبر لما ليس عنه بدٌ، ولذلك يحصل له من آثار المكاره والصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة، تضمحل معها المكاره وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، لذلك أخبر ﷺ وهذا خاص بالمؤمن -أيها الإخوة في الله- قال ﷺ: ﴿عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن﴾.
1 / 13