119
فضل المجاهدين في الكتاب والسنة بين الله ﷾ في آيات كثيرات فضل المجاهدين وما لهم عند الله من المنزلة العظيمة، فقال جل وعلا: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [التوبة:١٩-٢٢] هذا فضله جل وعلا وجوده ﷾ أن أولئك المجاهدين لهم فضل عظيم، ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التوبة:٢٢] ﷾، فالمجاهدون لهم شأن عظيم. وقال جل وعلا: ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء:٩٥-٩٦] هذا فضله ﷾ في فضل المجاهدين، وأن لهم المنزلة العظيمة عند الله، وأنهم لا يستوون مع القاعدين عن الجهاد، وأن لهم عند الله درجات عظيمة ومغفرة منه ﷾، ولهم أجر عظيم عنده جل وعلا. وقد علق الله النجاة من النار بالجهاد والإيمان، وبين أن التجارة المنجية من عذاب الله هي: الإيمان والجهاد؛ فقال ﷾: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الصف:١٠-١١] وبين سبحانه أن التجارة المنجية من عذاب الله هي الإيمان والجهاد، والجهاد شعبة من الإيمان وفرض من فروض الإيمان، ولكن نبه الله عليه لعظم شأنه وإلا فالجهاد من جملة الإيمان. فأخبر سبحانه أن التجارة العظيمة المنجية لأهلها هي تجارة المؤمنين المجاهدين: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ [الصف:١١] من الدال؟ الله ﷾ هو الدال لعباده، والواسطة النبي ﵊، المنزل عليه هذا الكتاب العظيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصف:١٠-١٣] هذا وعده لأولئك المجاهدين، فبين سبحانه أنهم أصحاب التجارة المنجية من عذاب الله، وأن الله أعد لهم مغفرة ومساكن طيبة في دار الكرامة، ومع ذلك نصر من الله وفتح قريب في هذه الدنيا، فالمؤمنون الصابرون المجاهدون موعودون بالجنة والكرامة في الآخرة وبالنصر في الدنيا، كما قال ﷾: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم:٤٧] وقال ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:٧] والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، من نصر الله، قال ﷿: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج:٤٠-٤١] والجهاد من الأمر بالمعروف ومن النهي عن المنكر، فأنت تأمر المجاهَدين بتوحيد الله والدخول في الإسلام وهذا من أعظم المعروف، وتنهاهم عن المنكر والشرك بالله وعبادة غيره وهذا أعظم المنكر، فالمجاهد آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر. فجدير بأهل الإيمان وجدير بأبناء الإسلام أن يشمروا عن ساعد الجد وأن يشاركوا في الجهاد أينما كانوا، بأنفسهم وبأموالهم، وألا يتأخروا عن ذلك إيثارًا للحياة العاجلة. جاء في حديث ثوبان ﵁ أن النبي ﵊ قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قيل: يا رسول الله! أمن قلة نحن؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم منكم، ويوضع في قلوبكم الوهن، قيل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) فهذا يبين لنا أن أسباب تأخر المسلمين وأسباب طمع الأعداء ونزع المهابة -مهابة المسلمين- من قلوب الأعداء هو حب الدنيا وكراهية الموت، حب الحياة وملذاتها ونعيمها العاجل الزائل، وكراهية الموت، ولهذا تقاعسنا عن الجهاد خوفًا من الموت، والموت لا بد منه، الموت إذا جاء وقته رحل بصاحبه سواء جاهد أم لم يجاهد، كما قال جل وعلا: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء:٧٨] وقال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ﴾ [الجمعة:٨] فالموت لابد منه جاهدت أم لم تجاهد. يقول الشاعر: ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد فالآجال مضروبة ومحدودة متى جاءت لم ترحل إلا بصاحبها؛ فجدير بالمؤمن أن يموت ميتة شريفة يحبها الله ورسوله ويرتب عليها الجنة والكرامة أولى من ميتة عادية كموت سائر الناس. ويقول ﷺ في الحديث الصحيح: (تكفل الله للمجاهد في سبيله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- إن توفاه أدخله الجنة أو يرده سالمًا نائلًا ما نال من أجرٍ أو غنيمة) وقال ﵊: (مثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم) (سئل ﵊ عما يعدل الجهاد؟ فقال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد في سبيل الله أن تصوم ولا تفطر وتقوم فلا تفتر قال: يا رسول الله ومن يطيق ذلك؟ قال: أما إنك لو فعلت ذلك لم تبلغ فضل المجاهد) . فالمجاهد له شأن عظيم وفضله عظيم، قال ﵊: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي، اللون لون الدم والريح ريح المسك) . والمجاهد -كما تقدم- يكون جهاده دفاعًا ويكون جهاده طلبًا وابتداءً لإعلاء كلمة الله لا للرياء والسمعة ولا للغنائم والمال وقد سئل النبي ﷺ عن ذلك: (قيل: يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل ليرى مكانه -وفي لفظ: رياءً- والرجل يقاتل حمية لقومه، من المجاهد في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) فمن جاهد لله وحده ولإعلاء كلمته فله عند الله منزلة عظيمة إن توفاه أدخله الجنة وإن رده رده كريمًا مع ما نال من أجر وغنيمة. فجدير بكل مسلم أن يهتم بالجهاد وأن يحرص عليه أينما وجد، وأن يساعد إخوانه المسلمين بماله ونفسه ولسانه، والرد على أعداء الله والنصيحة لأولياء الله وتوجيههم وإرشادهم وتشجيعهم، كما في الحديث السابق: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) قال الله جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [الأنفال:٧٢] وفي الآية الأخرى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال:٧٤] فالمجاهد بماله ونفسه له عند الله فضلٌ عظيم وهو المؤمن حقًا، فجدير بالمجاهد أن يخلص لله وأن يبادر بما يستطيع من الجهاد بالنفس والمال واللسان يرجو ثواب الله ويخشى عقابه.

5 / 7