ازداد رغبة في الحب، ولم يكف عن التلهف على الجاه .. خاض في أجساد العذارى كالمراهقين رغم أن ابنه علاء الدين لم يتزوج بعد .. وتقلب بين الوسائد في دور سحرية على مثال الدور التي يدخلها أحيانا لخدمة أصحابها .. وكما وقع في حب حسنية تعلق قلبه بقمر أخت حسن العطار .. حب أقوى من الأول .. وزاده قوة أنه حب ميئوس منه .. حب مقضي عليه بالكتمان والأسى والعذاب .. ذهب يوما إلى دار العطار ليشذب لحية المعلم حسن، فلمح البنت الجميلة ففقد راحة البال إلى الأبد .. لكنه لم يفقد الحلم .. إنه يهيم بالدور العظيمة كدور العطار وجليل البزاز ونور الدين .. ونور الدين ما أسعده من شاب! .. من بياع عطور بسيط لا يرتفع درجة عن عجر، ولعله دون ابنه علاء الدين في الجمال والكمال، إلى عين من الأعيان، قريب وعديل للسلطان، وزوج لدنيازاد أخت شهرزاد، أليس الله بقادر على كل شيء؟
9
في قهوة الأمراء جلس كعادته كل ليلة .. عقب نهار صيف حار جاد الليل بنسمة طيبة .. وجد نفسه أقرب ما يكون من أريكة المعلم سحلول تاجر المزادات، وأنهى الراوي فصلا من سيرة عنترة فسكتت الرباب ونطق السمر .. قال عجر للمعلم سحلول وهو من زبائنه: لم تشرفنا من زمن!
فقال الرجل باسما: سأزورك على غير انتظار ذات يوم!
وجاء حسن العطار وجليل البزاز وبصحبتهما فاضل صنعان فاطمأنوا إلى مجلسهم .. حياهم عجر مغاليا في التودد والتقرب، فردوا تحيتهم بتحفظ .. إنه يلقي نفسه إلقاء على السادة، ولكنه يرد دون تشجيع، حذرا من تطفله .. إنه اليوم أعلى من فاضل ولكنهم يحفظون العهد القديم .. حلمه الدائم أن يقبل ليقدم خدماته نظير الاستمتاع بموائدهم .. يفلح مرة ويخفق عشرات المرات فيتأجج نهمه .. اليوم فاضل غريمه بعد أن رفض يده، أما حسن فيحوز النعمة التي لا أمل فيها .. سدد نحو مجلسهم أذنه على حين تظاهر بالاسترخاء والنعاس .. إنهم يتحدثون عن سهرة جميلة احتفالا بقدوم سفينة البزاز محملة من الهند .. سيكون طعام ولا طعام جلنار وسيجري الشراب .. سيملأ بياع الحلوى بطنه كالأيام الخالية. - الجو حار، نريد مكانا خارج الدور!
الصعلوك يعلن رغباته كأنه من السادة .. ويجيبه جليل: اللسان الأخضر، إنه جزيرة خضراء!
فقال حسن العطار: ودعوت شملول الأحدب!
فقال جليل: ما أجمل أن يهرج لنا مهرج السلطان!
حتى المهرج! .. أما أنت يا عجر فما إن يبتسم الحظ لك حتى يجتاحه الدم البشري .. ونظر نحو المعلم سحلول، وقال بأسف: إنك طراز وحدك في زهدك في اللهو يا معلم سحلول.
فقال المعلم بهدوء : هذا حق. - إنك رجل كريم متواضع، وما كنت تأبى أن أكون نديمك.
Page inconnue