مضى في الطريق الصاعد إلى الجبل على برذون يتبعه نفر من الحراس ويتقدمه حامل مشعل في جو مشعشع بالندى وبرودة مستأنسة .. ثلاثة أعوام مضت بين الخوف والرجاء، بين الموت والأمل .. مضت في رواية الحكايات، وبفضل الحكايات امتد الأجل بشهرزاد ثلاثة أعوام .. غير أن للحكايات نهاية ككل شيء، وقد انتهت أمس، فأي قدر يرصدك يا ابنتي الحبيبة؟!
دخل القصر الرابض فوق الجبل .. اقتاده الحاجب إلى شرفة خلفية تطل على الحديقة المترامية .. بدا شهريار في مجلسه على ضوء قنديل واحد، سافر الرأس، غزير الشعر، أسوده، تلتمع عيناه في وجهه الطويل، وتفترش أعلى صدره لحية عريضة .. قبل دندان الأرض بين يديه .. داخلته رهبة - رغم طول المعاشرة - لرجل حفل تاريخه بالصرامة والقسوة ودماء الأبرياء .. وأشار السلطان بإطفاء القنديل الوحيد، فساد الظلام، ولاحت بوضوح نسبي أشباح الأشجار الفواحة .. تمتم شهريار: ليكن الظلام كي أرصد انبثاق الضياء.
تفاءل دندان شيئا ما وقال: متعك الله يا مولاي بأطيب ما في الليل والنهار.
صمت .. لم يستطع دندان أن يستشف ما وراء وجهه من رضا أو سخط حتى قال بهدوء: اقتضت مشيئتنا أن تبقى شهرزاد زوجة لنا.
وثب دندان واقفا، ثم انحنى على يد السلطان فلثمها بامتنان، ودمع الشكر يتحرك في أعماقه. - فليؤيد الله سلطانك إلى أبد الآبدين.
قال السلطان وكأنما تذكر ضحاياه: العدل له وسائل متباينة؛ منها السيف، ومنها العفو، ولله حكمته. - سدد الله خطاك إلى حكمته يا مولاي.
فقال بارتياح: حكاياتها السحر الحلال، تفتحت عن عوالم تدعو للتأمل.
ثمل الوزير بفرحته صامتا، فقال السلطان: وأنجبت لي وليدا فسكنت عواصف النفس الهائجة. - لتهنأ يا مولاي بالسعادة في الدارين.
تمتم السلطان باقتضاب: السعادة!
قلق دندان لسبب غامض .. ارتفع صياح الديكة .. قال السلطان وكأنما يخاطب نفسه: الوجود أغمض ما في الوجود!
Page inconnue