فقال جمصة يائسا: إذن ابتعد عن طريقي بسلام. - الحق أني فكرت بهدوء فوق جبل قاف، فاقتنعت بأنك أديت لي خدمة غير منكورة، وإن تكن غير مقصودة، فقررت أن أرد الصنيع بمثله ودون تجاوز للحدود.
فقال بحيرة: ولكنك تفعل نقيض ما تقصد؟ - يا لك من غبي!
فقال بتوسل: أوضح لي هدفك. - لك عقل وإرادة وروح! - ألق علي بصيصا من نور. - لك عقل وإرادة وروح.
هم بالتوسل إليه، ولكن الآخر أطلق ضحكة ساخرة، ثم سحب وجوده بسرعة وتلاشى.
استيقظ جمصة البلطي على نقر الباب .. دخل وكيله ليخبره بأنه مدعو إلى لقاء الحاكم الهمذاني.
11
تمنى لو ترك لنفسه ليتأمل، ولكنه لم يجد من الذهاب بدا .. ما توقع خيرا من المقابلة .. لم يعد ينتظر خيرا على الإطلاق .. اختفت بروق الآمال في سماء الخريف، وصمتت طبول النصر .. سيتأرجح طويلا بين الحاكم وعبث سنجام .. غاص في دوامة لا قرار لها فوق متن بغلته في الطريق إلى دار الإمارة .. الطريق مفعم بالحركة والصوت، تحاصره مطالب الحياة، الأعين تتابعه بازدراء .. لا سرور ولا غرور .. انقضت أيام الاختيال .. حقير يقتات على الحقارة، هذا ما أقنعه به سنجام .. عزاؤه الوحيد كان أنه سيف الدولة .. فل السيف، وتقوض الأمن، فأي وزن له؟! .. لص قاتل، حامي المجرمين، ومعذب الشرفاء .. نسي الله حتى ذكره به عفريت من الجن.
12
وجد خليل الهمذاني واقفا وسط البهو كرمح مستعد للقتال. قال جمصة بهدوء: سلام الله عليك أيها الأمير.
فصاح الحاكم بصوت متهدج من شدة الغضب: انعدم السلام بوجودك.
Page inconnue