أعجب به حقا، وقال: استدعيتك احتراما لعهدنا القديم. - بارك الله فيك يا سيدي.
فنظر إليه مليا، ثم قال: لولا ذلك لأبحت لنفسي القبض عليك.
فدهش فاضل متسائلا: تقبض علي؟ .. لماذا يا سيدي؟ - لا تتظاهر بالجهل .. ألم يكفكم ما حاق بكم من شر؟! اسع لرزقك بعيدا عن مصاحبة المخربين من أعداء السلطان!
فقال فاضل بوجه شاحب: ما أنا إلا بائع جوال. - دع المناورة يا فاضل، لا شيء يغيب عن جمصة البلطي، ومهمتي الأولى كما تعلم هي مطاردة الشيعة والخوارج.
فقال فاضل بصوت منخفض: لست منهم، وقد كنت تلميذا في مطلع حياتي للشيخ عبد الله البلخي. - وكنت أنا أيضا تلميذه، من مدرسة البلخي يخرج كثيرون؛ أهل الطريق، أهل السنة، كما يخرج شياطين منحرفون عن الخط الأول. - ثق يا سيدي من أنني أبعد ما يكون عن الشياطين .. - لك رفقاء ورفقاء منهم! - لا شأن لي بعقائدهم!
فقال محذرا: في البداية رفقة بريئة ثم تجيء النكسة، وهم مجانين، يكفرون الحكام، ويغررون بالفقراء والعبيد، لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، كأن الله اصطفاهم دون عباده، احذر مصير أبيك؛ فللشيطان طرق شتى، أما أنا فلا أعرف إلا واجبي، وقد بايعت السلطان كما بايعت حاكم الحي على إبادة المارقين.
فقال بنبرة فاترة: توكد يا سيدي من أنني أبعد ما يكون عن المارقين.
فقال جمصة: منحتك نصيحة أبوية فقدرها. - شكرا لمروءتك يا سيدي.
وجعل يتفرس في وجهه بحثا عن مواقع الشبه بينه وبين حسنية أخته، انتشى لحظات بالوجد، ثم قال: وثمة مسألة أخرى، أرجو أن تبلغ والدتك أن تقديم التماس برد أملاك الأسرة يعتبر تحديا للسلطان، فلا حول ولا قوة إلا بالله!
فقال فاضل بتسليم: هذا هو رأيي أيضا يا سيدي.
Page inconnue