الزمن يدق دقة خاصة في باطنه فيوقظه .. مد بصره نحو نافذة قريبة من الفراش فرأى من خلال خصاصها المدينة مسربلة في الظلام .. النوم سلبها الحركة والصوت فاستكنت في صمت مفعم بهدوء كوني .. انفصل من جسد أم السعد الدفيء هابطا إلى الأرض .. انغرزت قدماه في زغب سجادة فارسية .. مد ذراعه ملتمسا موقع الشمعدان، فارتطمت بكثافة صلبة فجفل متسائلا: ما هذا؟!
جاء صوت غريب، لم يطرق أذنيه مثله من قبل .. لا صوت إنسان هو، ولا صوت حيوان .. اجتاح حواسه، وكأنما انتشر في المدينة كلها .. ونطق الصوت في غضب: دست رأسي يا أعمى؟!
صرعه الخوف .. ما به من الفروسية ذرة .. ما يجيد إلا البيع والشراء والمساومة .. أكد الصوت قائلا: دست رأسي يا جاهل.
قال بنبرات مرتجفة: من أنت؟ - أنا قمقام. - قمقام؟! - عفريت من أهل المدينة.
أوشك أن يتلاشى من الرعب فانعقد لسانه. - آلمتني فحق عليك العقاب.
عجز لسانه عن أي دفاع، فواصل قمقام حديثه: سمعتك أمس يا منافق وأنت تقول إن الموت علينا حق، فما بالك تبول من الخوف؟!
نطق أخيرا بضراعة: ارحمني، أنا رب عائلة. - لن يحيق عقابي إلا بك أنت. - ما فكرت لحظة واحدة في التعرض لك. - يا لكم من مخلوقات مزعجة! لا تكفون عن الطمع في استعبادنا لتحقيق أغراضكم الدنيئة .. ألم يشبع نهمكم باستعباد الضعفاء منكم؟ - أقسم لك ...
فقاطعه: لا ثقة لي في قسم تاجر.
فقال: أسألك الرحمة والعفو. - أي سبب يدعوني لذلك؟
فقال بلهفة: قلبك الكبير. - لا تحاول خداعي كما تخدع زبائنك. - افعلها لوجه الله. - لا رحمة بلا ثمن، ولا عفو بلا ثمن.
Page inconnue