Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Maison d'édition
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Année de publication
1315 هـ
له: لو كان في المسلمين مثلك يا مسعر لخرجت إليه ماشيا، وكان يقول: من يرضى بالخل والبقل لم يستعبده الناس، وكان يقول: مضاحكة الوالدين على الأسرة أفضل من مجاهدة السيوف في سبيل الله تعالى وكان إذا جاءه أحد يسأله الدعاء يقول له: ادع أنت حتى أؤمن أنا فإن الدعاء من صاحب الحاجة.
قلت: وهكذا بلغنا عن معروف الكرخي وكان مشهورا بإجابة الدعوة والله تعالى أعلم وكان يقول شكوى العارف للطبيب ليست شكوى في ربه لأنه إنما يذكر للطبيب قدرة الله فيه وكان رضي الله عنه يقول: اللهم من ظن بنا خيرا أو ظننا به خيرا فصدق ظننا وظنه ويبكي، وكان يقول: قيام الليل نور للمؤمن يوم القيامة يسعى بين يديه ومن خلفه وصيام النهار يبعد العبد من جر السعير، وكان كثير البكاء فقيل له: في ذلك فقال وهل خلقت النار إلا لمثلي وكان يدعو على من آذاه أن يجعله الله محدثا أو مفتيا، وكان رضي الله عنه يقول: ينادي مناد يوم القيامة يا مادح الله قم فلا يقوم إلا من كان يكثر قراءة قل هو الله أحد، وكان يقول أعرف الناس بعور الناس الأعور. توفي رضي الله عنه بالكوفة سنة خمس وخمسين ومائة رضي الله عنه.
ومنهم علي والحسين ابنا صالح بن حي
رضي الله تعالى عنهما
كانا من العباد والزهاد وقسما الليل ثلاثة أجزاء فكان علي يقوم الثلث ثم ينام، ويقوم بعده الحسين ثم ينام وتقوم أمهما الثلث الآخر، فلما ماتت قسما ثلثها عليهما. فكانا يقومان الليل كله، ثم مات علي فقام الحسين الليل كله وكان كل واحد يقرأ في قيامه بثلث القرآن، كذلك فلما ماتت أمه وعلي كان الحسين يختم كل ليلة القرآن، وكان الحسين رضي الله عنه إذا لم يجد شيئا يعطيه للسائل في داره يعطيه شعلة نار ويقول: امض بها إلى منزل قوم عسى أن يعطوك شيئا فتتبلغ به، وكان إذا أراد أن يغط أحدا لا يشافهه بالوعظ، وإنما يكتب ذلك إليه في ورقة ويدفعها، وكان رضي الله عنه يقول: صاحب التخليط لا يفلح أبدا، وسأله رجل عن الدليل على قولهم الكريم لا يستقصي فقال: دليله قوله تعالى: " عرف بعضه وأعرض عن بعض " " التحريم: 3 " وكان يقول: إذا لم يخش العالم ربه فليس بعالم، وكان يقول: لا ينبغي لمؤمن أن لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم ولا يمشي إلا بنية صالحة.
وكان رضي الله عنه يقول: أنا أستحي من الله تعالى أن أتكلف النوم حتى يكون النوم هو الذي يصرعني، وكان لا يقبل من أحد شيئا، وكان يقول: قال سعيد بن المسيب من لزم المسجد وقبل كل ما يعطاه فقد ألح في المسألة، وكان رضي الله عنه يقول: أول من نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل فارس جني في صورة كلب، وذلك أنه أتى إلى كلب من كلاب فارس، فقال: أطعمني وأنا أخبرك خبرا فأطعمه، فقال محمد صلى الله عليه وسلم مات، قال رضي الله عنه: وسئل سعيد بن المسيب رضي الله عنه ما يستر المصلي، قال: التقوى قيل فما يقطع الصلاة قال بالفجور وكان ولده يجيء إليه في المسجد فيقول: أنا جيعان فيعلله حتى يروح، وكانت له جارية يأكل من غزلها الخبز الشعير، وكان رضي الله عنه يتخم الدم من شدة الخوف، وكان يقول فتشنا الورع فلم نجده في شيء أقل منه في اللسان، وكان إذا أشرف على المقابر يخر مغشيا عليه، وكان إذا ذهب إلى جنازة ورأى الميت وهم يدخلونه القبر يغشى عليه فلا يرجع إلا محمولا في سرير الميت، وكان إذا بكى سمع الناس صراخه كبكاء أهل المصائب، وكان يقول: العمل بالحسنة قوة في البدن ونور في القلب وضوء في البصر، والعمل بالسيئة وهن في البدن، وظلمة في القلب، وعمى في البصر، وكان يقول: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يفرح إذا زوى الله عنه الدنيا وأعطاها لأقرانه.
توفي علي رضي الله عنه بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائة، وتوفي بعده الحسين بثلاث عشرة سنة رضي الله عنهما.
ومنهم عبد الله بن المبارك
رضي الله تعالى عنه ورحمه آمين
ولد رضي الله عنه سنة ثمان عشرة ومائة، وكانوا يقدمونه في الأدب على سفيان الثوري رضي الله عنه، وكان سفيان الثوري رضي الله عنه يقول: جهدت جهدي على أن أدوم ثلاثة أيام في السنة على ما عليه ابن المبارك فلم أقدر، وكان يقدم النظر في سير الصحابة والتابعين على مجالسة علماء عصره، وكان يقول: إذا كانت سنة مائتين ففروا من الناس إلا لحضور واجب، وكان يقول: إذا تعلم أحدكم من القرآن ما يقيم به صلاته فليشتغل بالعلم فإن به تعرف معاني القرآن، وكان رضي الله عنه يقول: ما بقي في زماننا أحد أعرف أنه يأخذ النصيحة
Page 50