Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Maison d'édition
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Année de publication
1315 هـ
بكى، وترحم عليه، ثم أكرهه أبو جعفر بعد ذلك وأشخصه من الكوفة إلى بغداد فأبى وقال: لا أكون قاضيا، فحبسه وتوفي في السجن رضي الله تعالى عنه وأخرجه المنصور مرات من الحبس يتوعده، وهو يقول: يا منصور، اتق الله ولا تول إلا من يخاف الله تعالى، والله ما أنا مأمون في الرضا فكيف أكون مأمونا في الغضب ويقال إنه تولى القضاء يومين أو ثلاثة ثم مرض ستة أيام ثم مات.
وقال ابن الجوزي دعا المنصور أبا حنيفة والثوري ومسعرا وشريكا ليوليهم القضاء فقال أبو حنيفة أخمن فيكم تخمينا أما أنا فأحتال وأتخلص، وأما مسعر فيتحامق ويتخلص، وأما سفيان فيهرب، وأما شريك فيقع وكان الأمر كما قال، وكان من تحامق مسعر أن قال للمنصور لما دخل عليه كيف حالك وكيف عيالك وكيف حميرك وكيف دوابك فقال: أخرجوه فإنه مجنون ولما بلغ سفيان عن شريك أنه تولى هجره وقال له قد أمكنك الهرب فلم تهرب، وكان أبو حنيفة رضي الله عنه حسن الثياب طيب الريح كثير الكرم حسن المواساة لإخوانه كان يعرف بريح الطيب إذا أقبل وإذا خرج من داره، وكان رضي الله عنه يقول: ما صليت قط إلا ودعوت لشيخي حماد ولكل من تعلمت منه علما أو علمته وكان الشافعي رضي الله عنه يقول: الناس عيال على أبي حنيفة رضي الله عنه في الفقه وكان لا ينام الليل وسموه الوتد لكثرة صلاته وصلى الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة، وكان رضي الله عنه لا يجلس في ظل جدار غريمه ويقول: كل قرض جر نفعا فهو ربا، وكان عامة الليل يقرأ القرآن كله في كل ركعة وكان يسمع بكاؤه حتى يرحمه جيرانه، وختم القرآن في الموضع الذي مات فيه سبعة آلاف مرة وقال عبد الله بن المبارك عن أبي حنيفة رضي الله عنه إنه صلى صلوات الخمس أربعين سنة بوضوء واحد وكان نومه عائما ساعة بين الظهر والعصر وفي الشتاء ساعة أول الليل وكان يقول إذا ارتشى القاضي فهو معزول وإن لم يعزله الإمام.
وسئل رضي الله عنه أيما أفضل علقمة أو الأسود. فقال والله ما نحن بأهل أن نذكرهم فكيف نفاضل بينهم، وكان يقول: سمعت عطاء يقول: ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا ولله الحجة عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وكان يقول: إنما سمي المرجئة بذلك لأنهم سئلوا عن حالة العصاة أين منزلتهم في الآخرة فقالوا أمرهم إلى الله تعالى فسموا مرجئة لإرجائهم أمر العصاة إلى الله تعالى، فإن الكفار في النار والمؤمنين في الجنة، وكان له جار يهودي وكانت قصبة بيت خلائه تنضح على بيت أبي حنيفة فمكث عشر سنين، وهو يكنس كل يوم ما نزل في داره منها، ويذهب به إلى الكوم، ولم يعلم اليهودي قط فبلغ ذلك اليهودي فبكى ثم جاء وأسلم وكان رضي الله عنه يقول لو أن عبدا عبد الله تعالى حتى صار مثل هذه السارية ثم إنه لا يدري ما يدخل بطنه حلال أو حرام ما تقبل منه، وكان يقول: جالست الناس منذ خمسين سنة فما وجدت رجلا غفر لي ذنبا ولا وصلني حين قطعته ولا ستر على عورة ولا ائتمنته على نفسي إذا غضب فالاشتغال بهؤلاء حمق كبير، وكان يقول: لو لم تبغض الدنيا إلا لأن الله تعالى يعصى فيها لكانت تبغض وكان يقول الملح مع الخبز شهوة رضي الله عنه ورؤي رضي الله عنه بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال غفر لي فقيل له بالعلم فقال هيهات إن للعلم شروطا وآدابا قل من يفعلها فقيل فبماذا غفر لك الله قال يقول الناس في ما ليس في، وكان يقول: من هان عليه فرجه هان عليه دينه، وكان يقول: إذا لم يتكلم العبد بما ظنه فلا إثم عليه، وكان يقول: بلغني أنه ليس في الدنيا أعز من فقيه ورع، وقال له رجل إني أحبك فقال وما يمنعك من محبتي، ولست بابن عم لي ولا جاري وكان يقول الغوغاء هم القصاص الذين يستكلون أموال الناس، وكان يقول: لا ينبغني للقاضي أن يترك على القضاء أكثر من سنة، لأنه إذا مكث فيه أكثر من سنة ذهب فقهه. ومناقبه كثيرة مشهورة رضي الله عنه.
ومنهم الإمام أحمد بن حنبل
رضي الله تعالى عنه
كان رضي الله عنه يقول: طوبى لمن أحمل الله تعالى ذكره وكان يقول: رأيت رب العزة في المنام فقلت يا رب ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك فقال بكلامي يا أحمد، فقلت بفهم أو بغير فهم قال بفهم وبغير فهم وكان رضي الله عنه إذا جاءه حديث وحده لم يحدثه حتى يكون معه غيره قلت وكذلك كان يحيى بن معين وعبد الله بن داود والله أعلم، وكان رضي الله عنه يقول: تزوج يحيى بن زكريا عليهما السلام مخافة النظر، وكان رضي الله
Page 46