155

Lawaqih Anwar

الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار

Maison d'édition

مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر

Année de publication

1315 هـ

لبس ثوبا، أو عمامة لا يخلعها لغسل، ولا لغيره حتى تذوب فيبدلونها له بغيرها، والعمامة التي يلبسها الخليفة كل سنة في المولد هي عمامة الشيخ بيده، وأما البشت الصوف الأحمر فهو من لباس سيدي عبد العال رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه يقول: وعزة ربي سواقي تدور على البحر المحيط لو نفد ماء سواقي الدنيا كلها لما نفد ماء سواقي.

مات رضي الله عنه سنة خمس، وسبعين، وستمائة، واستخلف بعده على الفقراء سيدي عبد العال، وسار سيرة حسنة، وعمر المقام، والمنارات، ورتب الطعام للفقراء وأرباب الشعائر، وأمر بتصغير الخبز على الحال الذي هو عليه اليوم، وأمر الفقراء الذين صحت لهم الأحوال بالإقامة في الأماكن التي كان يعينها لهم فلم يستطع أحد أن يخالفه فأمر سيدي يوسف أبا سيدي إسماعيل الإنبابي أن يقيم بإنبابة، وسيدي أحمد أبا طرطور أن يقيم تجاه إنبابة في البرية، وسيدي عبد الله الجيزي أن يقيم في البرية تجاه الجيزة، وأمر سيدي وهيبا، بالإقامة في برشوم الكبرى، فأما سيدي يوسف رضي الله عنه، فأقبلت عليه الأمراء، والأكابر من أهل مصر، وصار سماطه في الأطعمة لا يقدر عليه غالب الأمراء، فقال الشيخ أحمد أبو طرطور يوما لأصحابه: اذهبوا بنا إلى أخينا يوسف ننظر حاله.

فمضوا إليه فقال لهم: كلوا من هذه الماوردية، واغسلوا الغش الذي في بطونكم من العدس، والبسلة لسيدي أحمد فغضب الشيخ أبو طرطور من ذلك الكلام، وقال: ما هو إلا كذا يا يوسف فقال: هذه مباسطة فقال أبو طرطور: ما هو إلا محاربة بالسهام، فمضى أبو طرطور إلى سيدي عبد العال رضي الله عنه، وأخبره الخبر فقال: لا تتشوش يا أبا طرطور نزعنا ما كان معه، وأطفأنا اسمه وجعلنا الاسم لولده إسماعيل، فمن ذلك اليوم انطفأ اسم سيدي يوسف إلى يومنا هذا، وأجرى الله على يدي سيدي إسماعيل الكرامات، وكلمته البهائم، وكان يخبر أنه يرى اللوح المحفوظ، ويقول: يقع كنا، وكذا لفلان فيجيء الأمر كما قال: فأنكر عليه شخص من علماء المالكية، وأفتى بتعزيره فبلغ ذلك سيدي إسماعيل، فقال: ومما رأيته في اللوح المحفوظ أن هذا القاضي يغرق في بحر الفرات فأرسله ملك مصر إلى ملك الإفرنج ليجادل القسيسين عندهم، فإنه، وعد بإسلامه إن قطعهم عالم المسلمين بالحجة فلم يجدوا في مصر أكثر كلاما، ولا جدلا من هذا القاضي فأرسلوه فغرق في بحر الفرات. وأما ترتيب الأشاير المشهورة في بيت سيدي أحمد رضي الله عنه إلى الآن من أولاد الفران، وأولاد الراعي، وأولاد المعلوف، وأولاد الكناس، وغيرهم فرتبهم كذلك سيدي عبد العال رضي الله عنه، ولم يكن أحد من أولاد الأشاير يدخل راكبا حوش الخليفة بلا إذن إلا أولاد المعلوف لما كانوا يعلمون من حب سيدي أحمد رضي الله عنه لهم.

وكان سيدي عبد الوهاب الجوهري رضي الله عنه المدفون قريبا من محلة مرحوم إذا جاءه شخص يريد الصحبة يقول: له دق هذا الوتد في هذه الحائط فإن ثبت الوتد في الحائط أخذ عليه العهد، وإن خار، ولم يثبت يقول له: إذهب ليس لك عندنا نصيب، وقد دخلت الخلوة، ورأيت الحائط غالبها شقوق، وما ثبت فيها إلا بعض أوتاد، وكان الشيخ رضي الله عنه يعلم من هو من أولاده بالكشف، وإنما كان يفعل ذلك إقامة حجة على المريد ليقضي بذلك على نفسه، ولا تقوم نفسه من الشيخ. وأما أمر سيدي الشيخ محمد المسمى بقمر الدولة فلم يصحب سيدي أحمد زمانا إنما جاء من سفر في وقت حر شديد فطلع يستريح في طندتا، فسمع بأن سيدي أحمد رضي الله عنه ضعيف فدخل عليه يزوره، وكان سيدي عبد العال، وغيره غائبين فوجد سيدي أحمد قد شرب ماء بطيخة، وتقايأه ثانيا فيها، فأخذه سيدي محمد المذكور، وشربه فقال له سيدي أحمد: أنت قمر دولة أصحابي فسمع بذلك سيدي عبد العال، والجماعة فخرجوا لمعارضته، وقتله بالحال فرمح فرسه في البئر التي بالقرب من توم التربة النفاضة فطلع من البئر التي بناحية نفيا فانتظروه عند البئر التي نزل فيها زمانا فجاء الخبر أنه طلع من تلك البئر التي قرب نفيا فرجعوا عنه، فأقام بنفيا إلى أن مات لم يطلع طندتا من سيدي عبد العال. وكان رضي الله عنه من أجناد السلطان محمد بن قلاوون، وعمامته، وثوبه، وقوسه، وجعبته، وسيفه معلقات في ضريحه بنفيا رضي الله عنه. قلت: وسبب حضوري مولده كل سنة أن شيخي العارف بالله تعالى محمد الشناوي رضي الله عنه أحد أعيان بيته رحمه الله قد كان أخذ علي العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه وسلمني إليه بيده فخرجت اليد الشريفة من الضريح وقبضت على يدي.

وقال: سيدي يكون خاطرك عليه، واجعله تحت نظرك فسمعت سيدي أحمد رضي الله عنه من القبر يقول: نعم ثم إني رأيته بمصر مرة أخرى هو، وسيدي عبد العال وهو يقول: زرنا

Page 157