136

Lawaqih Anwar

الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار

Maison d'édition

مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر

Année de publication

1315 هـ

فيتولد من الخاطر هم، وربما غفلت عن الهم فيتولد منه إرادة، وربما قويت الإرادة فصارت هوى غالبا فإذا صارت هوى غالبا ضعف القلب وذهب نوره، وربما تلف بالكلية، وانعزل عنه العقل وصار كأن عليه غطاء.

وكان رضي الله عنه يقول: عليك بالاستغفال بالله تعالى فإن عجزت عن الاستغفال به فعليك بالاشتغال بالله تعالى فإن عجزت عن الاشتغال به فعليك بالاشتغال بطاعة الله تعالى، ولا أرى لك عذرا في عدم الاشتغال بطاعته لأنها أول درجات الترقي.

وكان رضي الله عنه يقول: صلاح القلب في التوحيد، والصدق، وفساده في الشرك، والرياء، وعلامة صدق التوحيد شهوة، واحد ليس معه ثان مع عدم الخوف، والرجاء إلا من الله تعالى وأما الصدق فهو التجرد عن الكل، ومحو كل ذات ظهرت، وفقد كل صفة بطنت فإذا رأيت ميل قلبك إلى الخلق فانف عن قلبك الشرك، وإذا رأيت ميل قلبك إلى الدنيا فانف عن قلبك الشك وكان رضي الله عنه يقول: عليك بالإحسان إلى رعيتك، والرعية خصوص، وعموم فالعموم العبد، والأمة والولد، والخصوص ما وراء ذلك فعليك بروحك ثم بسرك ثم بقلبك ثم بعقلك ثم بجسدك ثم بنفسك فالروح تطالبك بالشوق، وسرعة السير إليه من غير فتور، والسر يطالبك بأن تخفي سرك، والقلب يطالبك بالذكر له، والمراقبة، وأن تنسى نفسك، وسواه في ذكرك، والعقل يطالبك بالتسليم إليه، والموافقة له، وأن تكون مع مولاك على نفسك، وسواك، والجسد يطالبك بالخدمة له، وخلوص الطاعة، والنفس تطالبك بكفها، وحجرها عن كل ما مالت إليه، وحبسها وتقييدها، وأن لا تصبحها، ولا تستصحبها، وكان يقول: إياك أن تغفل عن مولاك وعما تعبدك به مولاك، وتشتغل بما تعبدك به عمن تعبدك بالعبادة، وكان رضي الله عنه يقول: إذا لم تعن بنفسك فغيرك أحرى أن يضيع نفسك، وكان يقول: أستغفر الله من تقصيري في كل عبادة عدد أنفاسي، وكان يقول: لو استغفرت الله عز وجل بصدق، وإخلاص منذ ابتداء الخلق إلى انتهاء الخلق من غير فتور نفس واحد من أنفاسي ما وفي استغفاري بنفس واحد غفلت فيه عن الله عز وجل فكيف، وأنفاسي كثيرة، واستغفاري خال عن الصدق، والإخلاص فقد بان نقصي، وتقصيري، وإذا كانت أنفاسي ذنوبا، واستغفاري يحتاج إلى استغفار إلى ما لا نهاية له فكيف حالي. نسأل الله المغفرة. وكان رضي الله عنه يقول الأخلاق الشريفة كلها تنشأ من القلوب، والأخلاق الذميمة كلها تنشأ من النفوس فالصادق في الطلب يشرع في رياضة نفسه، وطهارة قلبه حتى تتبدل أخلاقه فيبدل الشك بالتصديق، والشرك بالتوحيد، والمنازعة بالتسليم، والسخط والاعتراض بالرضا، والتفويض، والغفلة بالمراقبة، والتفرقة بالجمعية، والغلظة باللين، واللطف، ورؤية عيوب الناس بالغض عنها، ورؤية المحاسن، والقسوة بالرحمة، والغل، والحقد بالنصيحة، والإدلال بالخوف، وخوف التحويل، ويرى أنه ما وفى حق الله تعالى في ساعة من الساعات، ولا قام بشكر ما أعطاه من فعل الخيرات، وحينئذ تتحقق عبوديته، ويصفو توحيده، ويطيب عيشه، ويعيش مع الله تعالى عيش أهل الجنان في الجنان، وهذه أخلاق الأنبياء، والصديقين، والأولياء، والصالحين، والعلماء العاملين.

وكان رضي الله عنه يقول: لم يصل أولياء الله تعالى إلى ما وصلوا بكثرة الأعمال، وإنما وصلوا إليه بالأدب. وكان رضي الله عنه يقول ما دامت النفس باقية بأخلاقها، وصفاتها فحركات العبد كلها متابعة لخواطرها، وهي شيئان إما للخلق، وذلك شرك أو الراحة النفس، وذلك هوى فالشرك لا يترك التوحيد يصفو، والهوى لا يترك العبودية تصفو، وما لم يشتغل السالك بإضعاف هذا العدو الذي بين جنبيه لا يصح له قدم، ولو أتى بأعمال تسد الخافقين، والرجل كل الرجل من داوى الأمراض من خارج، وشرع في قلع أصولها من الباطن حتى يصفو وقته، ويطيب ذكره، ويدوم أنسه، وكان رضي الله عنه يقول: يجب على السالك إذا رأى من نفسه خلقا سيئا من كبر أو شرك أو بخل أو سوء ظن بأحد أن يدخل نفسه في ضد ما دعت إليه ثم يقبل على ذكر الله تعالى، ويستنجد بحوله، وقوته، ومجاهداته فتضعف أخلاق نفسه، ويكثر نور قلبه فينزل الحق تعالى ذرة من محبته فيترك الأشياء بلا مكابدة، ويقطع كل مألوف بلا مجاهدة، وكان رضي الله عنه يقول: الأصول التي يبني عليها المريد أمره أربعة اشتغال اللسان مع حضور القلب بذكره، وجبر القلب على مراقبته، ومخالفة النفس والهوى من أجله، وتصفية اللقمة لعبوديته، وهي القطب، وبها تزكو الجوارح، ويصفو القلب فيعطي النفس حظها من المأكل، والمشرب، ويمنعها ما يطغيها منه لأنها أمانة الله عز وجل عند العبد، وهي مطيته التي يسير عليها فظلمها كظلم الغير

Page 138