يصوم المحرمَ، إنما كان يصوم عاشوراء. وقوله في آخر سنة: "لئن عِشْتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ التاسِعَ" (^١) يدُلُّ على أنه كان لا يصومُ التاسعَ قبلَ ذلك. وقد أجاب النَّاسُ عن هذا السؤال بأجوبةٍ فيها ضَعفٌ.
والذي ظهر لي - والله أعلم - أن التطوُّعَ بالصِّيام نوعان:
أحدهُما: التطوعُ المطلَقُ بالصومِ، فهذا أفضلُه المحرمُ، كما أن أفضلَ التطوّعِ المطلَقِ بالصَّلاةِ قيامُ الليل.
والثاني: ما صيامُهُ تبعٌ لصيامٍ رمضانَ قبلَه وبعدَه، فهذا ليس من التطوُّع المطلَقِ، بل صيامُه تبَعٌ لصيام رمضان، وهو ملتحِقٌ بصيام رمضانَ، ولهذا قيل: إنَّ صيامَ ستةِ أَيام من شهر شوال يلتحِقُ بصيامِ رمضانَ، ويُكْتَبُ بذلك لمن صامَها معَ رمضانَ صيامُ الدَّهر فرضًا. وقد رُوي أن أسامة بن زيد كان يصوم الأشهرَ الحُرُمَ، فأمرَهُ النَّبيُّ ﷺ بصيامِ شوال، فترك الأشهرَ الحُرُمَ وصام شوالًا (^٢). وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. فهذا النوعُ من الصِّيام يلتحِقُ (^٣) برمضانَ، وصيامُه أفضلُ التطوُّعِ مطلقًا. فأما التطوُّعُ المطلَقُ فأفضلُه صيامُ الأشهرِ الحُرُمِ. وقد رُوي عن النَّبيِّ ﷺ أنه أمَرَ رجلًا أن يصومَ الأشهرَ الحُرُمَ، وسنذكره في موضعٍ آخر إن شاء الله تعالى.
وأفضلُ صيامِ الأشهرِ الحُرُم (^٤) صيامُ شهر الله المحرَّمِ، ويشهَدُ لهذا أنه ﷺ قال في هذا الحديث: "وأفضَلُ الصَّلاةِ بعدَ المكتوبةِ قيامُ اللَّيلِ" (^٥)، ومرادُه بعد المكتوبة