عُرف ابن رجب بالفضل والورع، والميل إلى العزلة، والتفرغ للعلم والتصنيف، فقد كان لا يعرف شيئًا من أمور الناس، ولا يتردد إلى أحدٍ من ذوي الولايات، وكان يسكن بالمدرسة السكرية بالقصّاعين (^١).
وكان أحد الأئمة الحفّاظ الكبار، والعلماء الزهّاد الأخيار، وكانت مجالسه تذكرة للقلوب صادعة، وللناس عامة مباركة نافعة. اجتمعت الفرق عليه، ومالت القلوب بالمحبة إليه (^٢).
وكان صاحب عبادة وتهجد، ذكر ابن حجر أنه كان يفتي بمقالات ابن تيمية، وأنّ الناس نقموا عليه ذلك، فأظهر الرجوع عن خطته، فنافره التيميّون، فهجر هؤلاء وهؤلاء. وكان قد ترك الإفتاء بآخرة (^٣).
ترجم له ابن عبد الهادي (^٤) فأجمل كثيرًا من أخباره وفضائله، فقال: هو الشيخ الإمام، أوحد الأنام، قدوة الحفاظ، جامع الشتات والفضائل، الفقيه الزاهد البارع الأصولي المفيد المحدّث. قال القاضي علاء الدين بن اللحام - فيما وجدته بخطه: سيدنا وشيخنا الإمام العالم العلّامة الأوحد الحافظ شيخ الإسلام، مجلّي المشكلات، وموضح المبهمات، أبو الفرج عبد الرحمن زين الدين بن رجب. ورأيت بخطه في موضع آخر يقول: شيخنا الإمام العالم الحافظ بقية السلف الكرام، وحيد عصره، وفريد دهره.
وقال ابن قاضي شهبة (^٥): الشيخ الإمام العلّامة، الحافظ، الزاهد، الورع، شيخ الحنابلة وفاضلهم، أوحد المحدثين.
وليَ حلقة الثلاثاء بعد وفاة ابن قاضي الجبل في سنة ٧٧١، ودرَّس بالحنبلية بعد وفاة القاضي ابن التقي، ثم أخذ منه.
وبالجملة فقد أجمع من ترجموا له على فضله وعلمه وورعه وزهده، وإمامته في الفقه والحديث والمواعظ. أحبه الناس، ومالت إليه قلوبهم، وصدعت لدروسه أفئدتهم. وسنكشف بعض ما كان عليه من علم حين الحديث عن كتبه إن شاء الله.
_________
(^١) المنهج الأحمد (مخطوط) ٢/ ٤٧٢ وشذرات الذهب ٦/ ٣٣٩.
(^٢) المنهج الأحمد ٢/ ٤٧٢.
(^٣) إنباء الغمر ٣/ ١٧٦.
(^٤) الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد، لابن عبد الهادي الترجمة (٥٧) ص ٤٦ - ٥٣.
(^٥) تاريخ ابن قاضي شهبة ١/ ٣/ ٤٨٨.
1 / 12