234

Les Subtilités des Connaissances sur Ce Qui Concerne les Fonctions des Saisons de l’Année

لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف

Enquêteur

ياسين محمد السواس

Maison d'édition

دار ابن كثير

Numéro d'édition

الخامسة

Année de publication

1420 AH

Lieu d'édition

بيروت

Genres

Soufisme
رَبِّكم. فَمَنْ وَفَى نفسَهُ حظَّها مِن المُباحِ بنيَّةِ التَّقوِّي به على تَقْوِيتها على أعْمالِ الطاعات، كانَ مأجورًا في ذلك، كما قال معاذُ بن جبل: إنِّي أحتسِبُ نَوْمَتِي كما أحتسِبُ قَوْمَتِي. ومَنْ قصَّرَ في حَقِّها حتَّى ضَعُفَتْ وتَضررتْ، كانَ ظالمًا لها. وإلى هذا أشار النبيُّ ﷺ بقوله لعبد الله بن عمرو بن العاص: "إنَّكَ إذا فعلْتَ ذلك نَفِهَتْ له النَّفْسُ، وهَجَمَتْ له العَيْنُ" (^١). ومعنى نَفِهَتْ: كَلَّتْ وأَعْيَتْ. ومعنى هجَمَتِ العَينُ: غَارَتْ.
وقال لأعرابيٍّ جاءَه فأسلمَ، ثمَّ أتاه من عامٍ قابلٍ وقد تغيَّرَ فلم يعرفْهُ، فلمَّا عَرَفَهُ سألَه عن حالِه، قال: ما أَكلْتُ بعدَكَ طعامًا بنهارٍ. فقال له النبيُّ ﷺ: ومَنْ أَمَرَكَ أن تُعذِّبَ نفسَكَ (^٢)؟.
فَمَنْ عذَّبَ نَفْسَهُ بأنْ حمَّلَها ما لا تُطِيقُهُ مِن الصِّيام ونحوِه فربَّما أَثَّرَ ذلك في ضَعْفِ بَدَنِهِ وعَقْلِهِ، فيفوتُهُ من الطَّاعاتِ الفاضِلةِ أكثرُ ممَّا يحصُلُ له (^٣) بتعذِيبه نفسه بالصِّيامِ.
وكان النَّبي ﷺ يتوسَّطُ في إعطاء نفسِه حقَّها ويَعدلُ فيها غايَةَ العَدْلِ؛ فيصومُ ويُفطِرُ، ويَقومُ ويَنامُ، وينكِحُ النِّساءَ، ويأكل ممَّا يجِدُ (^٤) منَ الطيباتِ، كالحلواءِ (^٥) والعسَلِ ولحمِ الدَّجاجِ. وتارةً يَجوعُ حتَّى يَربِطَ على بطنِهِ الحَجَرَ.
وقال: "عَرَضَ عليَّ ربِّي أنْ يَجعَلَ لي بطحاءَ مكَّةَ ذَهَبًا، فقلْتُ: لا يا ربِّ، ولكن أجوعُ يومًا وأشبَعُ يومًا؛ فإذا جُعْتُ تَضَرعْتُ إليكَ وذكَرْتُكَ، وإذا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وشَكَرْتُكَ" (^٦).

(^١) قطعة من حديث تقدم تخريجه، وله روايات عديدة، أخرجه البخاري رقم (١٩٧٩) في الصوم: باب صوم داود ﵇، ومسلم رقم (١١٥٩) في الصوم، والنسائي ٤/ ٢٠٩ في الصيام.
(^٢) من حديث مجيبة الباهلية في سنن أبي داود رقم (٢٤٢٨) وقد مضى تخريجه.
(^٣) في ب، ط: "أكثر مما حصَّله".
(^٤) في ب ط: "ما يجد".
(^٥) في آ، ع: "كالحلوى" مقصور؛ وهو كالحلواء بالمد.
(^٦) أخرجه الترمذي رقم (٢٣٤٨) في الزهد، باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه، من حديث أبي أمامة الباهلي ﵁، وإسناده حسن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: وفي الباب عن فضالة بن عبيد.

1 / 241