وروى الحارث بن عمرو (^١): أن النبي ﷺ سُئِلَ عن الفَرَعِ والعَتَائرِ، فقال: "مَنْ شاءَ فَرَّعَ، ومَنْ شاء لم يُفرِّع؛ ومَنْ شاء عَتَرَ ومَنْ شَاءَ لم يَعْتِرْ" (^٢).
وفي حديثٍ آخرَ، قال: "العَتيرةُ حقٌّ" (^٣).
وفي النَّسَائِي (^٤) عن أبي رَزين، قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ، كنا نذبحُ ذبائحَ في الجاهلية، يعني في رَجب، فنأكلُ ونُطْعِمُ مَن جاءنا. فقال رسولُ الله ﷺ: "لا بأسَ به". وخرَّج الطبراني (^٥) بإسنادِه، عن ابن عباس، قال: استأذنَتْ قريشٌ رسولَ الله ﷺ في العَتيرةِ، فقال: "اعتر كعَتْرِ الجاهلية، ولكنْ مَن أحبَّ منكم أن يذبحَ للهِ فيأكُلَ ويتصدَّقَ فلْيَفْعَلْ". وهؤلاء جمعوا بين هذه الأحاديثِ وبين حديثِ "لا فَرَعَ ولا عَتِيرَةَ" بأنَّ المنهي عنه هو ما كان يفعلُه أهلُ الجاهلية من الذّبحِ لغيرِ اللهِ. وحملَهُ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ على أن المرادَ به نفيُ الوجوب. ومِن العلماء من قال: حديثُ أبي هريرة أصح مِن هذه الأحاديث وأثبتُ، فيكوَنُ العملُ عليه دونَها. وهذه طريقةُ الإمام أحمد.
وروى مُبارك بن فَضَالةَ، عن الحسن، قال: ليس في الإسلام عتيرة، إنما كانت العَتيرةُ في الجاهلية، كان أحدُهم يصومُ رَجَبَ وَيعتِرُ فيه. ويُشبه الذبحَ في رجب اتخاذُه موسمًا وعيدًا، كأكلِ (^٦) الحلوى ونحوها. وقد رُوي عن ابن عباس ﵄ أنه كان يكرَهُ أنْ يُتخذَ رجب عيدًا.
وروى عبد الرزاق، عن ابن جُريج، عن عطاء، قال: كان النبي ﷺ يَنْهَى عن صيامِ رجبٍ كلِّه لئلَّا يُتخَذَ عيدًا (^٧).