ورُوِي نحو هذا السياقِ عن عروةَ، والزُّهريّ وغيرهما. وقيل: إنَّها كانت أول غنيمةٍ غنِمَها المسلمون (^١). وقال عبد الله بن جحش في ذلك، وقيل: إنها لأبي بكر الصِّدِّيق ﵁ (^٢):
تَعُدُّونَ قتلًا في الحَرَامِ عظيمةً … وأَعْظَمُ منه لو يَرى الرشْدَ رَاشِدُ
صدودُكُمُ عمَّا يقولُ محمدٌ … وكُفْرٌ بهِ واللهُ راءٍ وشاهدُ
وَإخْراجُكُم من مسجدِ اللهِ أهلَهُ … لِئلَّا يُرَى لله في البَيْتِ ساجِدُ
في أبيات أخر.
وقد اختلفَ العلماءُ في حكم القتالِ في الأشهرِ الحُرُمِ، هل تحريمُهُ باقٍ أَمْ نُسِخَ؛ فالجمهورُ على أنه نُسِخَ تحريمُه، ونصَّ على نسخِهِ الإمامُ أحمدُ وغيرُه مِن الأئمة. وذهب طائفةٌ مِن السَّلَف، منهم عطاءٌ، إلى بقاءِ تحريمِهِ، ورجّحَهُ بعضُ المتأخِّرينَ واستدَلُّوا بآية المائدةِ (^٣)، والمائدةُ مِن آخرِ ما نَزَلَ من القرآنِ (^٤). وقد رُوِي: "أحِلُّوا حَلَالَها وحرِّمُوا حَرَامَها" (^٥).
وقيل: ليس فيها منسوخٌ (^٦). وفي "المسند" أن عائشةَ ﵂، قالت: "هي آخرُ سورةٍ نزلَتْ، فما وجدتُم فيها من حلال فاسْتحِلوه، وما وجدْتم فيها مِن حرام فحرمُوه" (^٧). ورَوَى الإمامُ أحمد في "مسنده": حدثنا إسحاقُ بن عيسى، حدثنا ليثُ بن سعد، عن أبي الزُّبير، عن جابر، قال: "لم يكن رسولُ اللهِ ﷺ يَغزُو في الشهرِ الحرامِ إلَّا أن يُغْزَى وَيغزو (^٨)، فإذا حضرَهُ أقامَ حتَّى ينسلخَ" (^٩).