وأمَّا الإِسْرَاءُ، فقيل: كان في رجَبَ، وضَعَّفَهُ غيرُ واحدٍ. وقيل: كانَ في ربيعٍ الأوَّل، وهو قولُ إبراهيمَ الحَربيّ (^١) وغيرِه.
وأمَّا دخولُه المدينة ووفاتُه ﷺ فكانا في رَبيع الأوَّل بغيرِ خِلافٍ، مع الاختلاف (^٢) في تعيينِ ذلك اليومِ مِن أيَّامِ الشهرِ.
وفي قولِ النَّبيِّ ﷺ لمَّا سُئِلَ عن صيام يوم الاثنين: "ذاكَ يومٌ وُلِدْتُ فيه، وأُنْزِلَتْ عليَّ فيه النُّبوَّةُ"، إشارة إلى استِحبابِ صَيامِ الأيَّامِ التي تتجدَّدُ فيها نِعمُ اللهِ على عبادِهِ. فإنَّ أعظمَ نِعَمِ اللهِ على هذه الأمَّةِ إظهارُ محمدٍ ﷺ لهم وبِعثتُهُ وإرسالُهُ إليهم، كما قالَ تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ (^٣).
فإنَّ النِّعْمَةَ على الأُمَّةِ بإرساله أعظَمُ مِنَ النِّعْمَةِ عليهم بإيجادِ السَّماءِ، والأرضِ، والشَّمسِ، والقَمَرِ، والرِّياحِ، والليلِ، والنَّهارِ، وإنزالِ المطرِ، وإخراجِ النباتِ، وغيرِ ذلكَ؛ فإنَّ هذه النِّعمة كلَّها قد عَمَّتْ خَلْقًا مِن بني آدَمَ كَفَرُوا باللهِ وبرُسُلِهِ وبلقائِهِ، فبدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كفرًا.
وأمَّا النِّعْمَةُ بإرسالِ محمدٍ ﷺ، فإنَّ بها تمَّتْ مصالِحُ الدُّنيا والآخرة، وكَمُلَ بسببها دِينُ اللهِ الذي رَضِيَهُ لِعبادِهِ، وكان قبولُه سَبَبَ سعادتِهم في دُنياهُم وآخرتهِم، فصيامُ يومٍ تجدَّدَتْ فيه هذه النِّعَمُ مِنَ اللهِ على عبادِهِ المؤمنينَ حَسَنٌ جَمِيلٌ، وهو من بَاب مقابلةِ النِّعمِ في أوقاتِ تجدُّدِها بالشكرِ. ونظيرُ هذا صيامُ يومِ عاشوراءَ حَيثُ أنجَى الله فيه نوحًا مِنَ الغَرَقِ، ونَجَّى فيه موسى وقَوْمَهُ مِن فرعونَ وجنودِهِ، وأغرقَهُمْ في اليمِّ (^٤)، فصامَهُ نوحٌ وموسى شكرًا لله، فصامَهُ رسولُ اللهِ ﷺ متابَعَةً لأنبياءِ الله،